حماية السوق المحلية

اقتصادية 2019/08/26
...

محمد شريف أبو ميسم 
 
لا تقتصر سياسة أي دولة في اطار حماية أسواقها المحلية على اتخاذ القرارات الاجرائية في سياق المعطيات التي تحددها حركة السوق المحلية، أو تلك الناجمة عن تبدلات المواقف في التجارة الخارجية وتداعياتها الخاضعة للأزمات السياسية بين
 الدول. 
اذ تندرج سياسة حماية الأسواق المحلية في اطار الرؤية الاقتصادية للدولة ومدى النجاحات في تنفيذ برامجها الاقتصادية الرامية الى تحقيق أهداف بعينها، وعلى هذا الأساس تشرّع القوانين الاقتصادية التي تنسجم مع شكل النظام الاقتصادي الذي تتبناه الدولة التي تسعى لتحقيق أهدافه الحكومات المتعاقبة من خلال البرامج
 الحكومية. 
وبالتالي يمكن تصور طبيعة النظام الاقتصادي من خلال التشريعات الاقتصادية التي ترسم ملامح التشكيلة الكلية لعناصر النظام، وبناء عليه فان شكل النظام الاقتصادي الذي رسمت ملامحه حزمة التشريعات الاقتصادية والسياسية والبرامج الحكومية في بلدنا، يؤكد المضي باتجاه اقتصاد السوق، الا ان ملامح هذا النظام ما زالت تعاني من الاشتباك بين الشكل الاجتماعي الذي تتدخل فيه الدولة، والشكل الليبرالي الذي يترك لآلية السوق
 كليا. 
ولأن علاقات عناصر السوق في كلا النظامين لا تنتظم الا في اطار تفعيل حزمة القوانين التي تتشكل بموجبها هذه العلاقات، بما يضمن حقوق وواجبات جميع الأطراف ذات الصلة بمشهد السوق، ومن أبرزها (كيان الدولة بوصفها الراعي الرسمي للأمن المجتمعي والأمن الغذائي والمسؤول المباشر عن خطط التنمية الاقتصادية- المواطن بوصفه مستهلكا تارة وعنصرا مهما من عناصر الانتاج تارة أخرى- المنتجون بوصفهم القائمين على عجلة الانتاج- المستوردون بوصفهم داعمين لتأمين احتياجات السوق غير المتاحة محليا- الموزعون وبائعو الجملة والمفرد بوصفهم أذرع وأصابع السوق). وازاء ذلك بقي الاشتباك قائما ولم يعرف حد اللحظة، هل نحن ماضون باتجاه ليبرالية السوق أم سنعمل بنظام اقتصاد السوق
 الاجتماعي؟.
من هنا جاءت أهمية تفعيل القوانين بكل حزم، من قبيل (تنظيم المنافسة ومنع الاحتكار، حماية المنتج المحلي، التعريفة الكمركية، حماية المستهلك، وسواهما التي تدعم تشكيلة السوق وتنظم
 حركته وتحميه).
 آنذاك تكون القرارات الاجرائية محض معالجات لحظية تتوالد عن الحاجة التي تفرضها المعطيات غير المحسوبة في مرحلة التكيف التي تعيشها البلاد، اذ لا يكون قرار منع استيراد سلعة ما محض اجتهاد لهذه الجهة القطاعية أو تلك، بل هو جزء من سياسة واضحة تعمل بها الحكومة، وفق برنامج معلن
 وواضح الأهداف وخاضع لتوقيتات وحسابات معدة مسبقا، لأن أي خلل في أركان العلاقة بين عناصر السوق، يؤدي الى ارباك لمصلحة أطراف على حساب أطراف أخرى.