(في كتابها-الغناء في القرن التاسع عشر- الصادر في القاهرة عام 1988 تتحدث الباحثة عن تاريخ المغنين والآلاتية في مصر ونجوم العزف والمغنين مثل سيد درويش وعبده الحامولي ومحمد عثمان وسواهم ، وقدمت المؤلفة فذلكة تاريخية عن أجواء (الصنعة) وصيغ احترافها،ومما جاء في كتابها هذه الفقرة الطريفة عن شروط الترخيص لمزاولة حرفة الغناء ):
من اخص مهام شيخ طائفة الموسيقيين الترخيص لمن يرغب احتراف الغناء،فما كان لمغن أن يغني الا برخصة من الشيخ،فكان بذلك يقف حائلاً أمام المتعطلين والفضوليين والأدعياء من احتراف الغناء.
وكان المتبع في منح هذه الرخصة اسلوباً طريفاً:ذلك بأن من يأنس في نفسه الكفاية والمقدرة على احتراف فن الغناء-يتقدم الىِ-شيخ الطائفة- لامتحانه ، فيجمع الشيخ هيئة من كبار الموسيقيين والمغنين يؤدي أمامها الراغب امتحانا،يغني فيه عدة وصلات مختلفة من مقامات وضروب وأوزان متنوعة،حيث يؤدي بعض القصائد والموشحات وأغاني العصر.
ويحدث هذا الامتحان عادة في بيت الممتحن،فاذا اجتاز الامتحان استقبلوه بكلمة- يستاهل- وهي بعينها الرخصة في الغناء،ثم-يحزمونه-دليلا على النجاح،فاذا قيل:فلان- متحزم- دل ذلك على أحقيته وجدارته في احتراف الغناء،ووجب على شيخ الطائفة تسجيل اسمه.
ومن المغنين المشهورين الذين تحزموا(عبدة الحامولي،ومحمد عثمان،ومحمد سالم،ومحمد عبد الرحيم
المسلوب).
ومن المنشدين:(الشيخ البيطار،والشيخ خليل محرم، والشيخ محمد الشنتوري،والشيخ يوسف المنيلاوي،والشيخ خليل رضوان).
وكان لشيخ الطائفة وكيل يسمى-المختار- ومن أعماله معاونة الشيخ في مهامه،واخر هؤلاء الوكلاء-المختارين-المرحوم أحمد العقاد.
وكانت الحكومة هي التي تنتخب-الشيخ-وتختاره بعد استشارة المحترفين وتعرف رأيهم فيمن يصلح منهم للشياخة عليهم.
كان في القاهرة عدة مقاهٍ يمارس فيها الغناء مساء كل ليلة مغنون على تخوت معدة لذلك،وكان يملك تلك المقاهي بعض الأجانب وهم الذين يديرونها،وكان يستحيل على أي مغن أو أي تخت أن يشتغل في أحد المقاهي الا عن طريق-شيخ الطائفة-ورخصته فيه،وما كان لصاحب مقهى أو مدير أن يتفق مباشرة مع المغني والتخت ما لم يحصل على قبول-الشيخ-ورضائه،وفوق هذا فلم يكن لأحد من أولئك المغنين أن يتغيب أو ينقطع عن عمله بتلك القهاوي لاشتغاله باحياء حفلات الأفراح أو غيرها الا باذن من الشيخ،حتى يتدارك الأمر فيعين من يحل محل المغني أو التخت المتغيب،وكان لديه لهذا الغرض فرق احتياطية.
كانت تلك المقاهي القائمة بحديقة الأزبكية أو ما يجاورها خاصة بالمغنين والتخوت من الرجال وحدهم،أما المغنيات ممن يطلق عليهن اسم-العوالم-فكانت لهن أكشاك خاصة قائمة الى جانب المقاهي في حديقة الأزبكية وهي وقف
عليهن.