حمزة مصطفى
دخل مجلس القضاء الأعلى مؤخرا على خط التحرش بالنساء. وكان قد دخل العام الماضي على خط “الدكة العشائرية”. ودخلت الحكومة كلها على خط مكافحة الإرهاب ومكافحة الفساد ومكافحة المخدرات. وفي ضوء هذا التداعي بالقيم والانهيار بالأخلاق والآداب العامة لست أعرف الى أي الخطوط سوف يدخل مجلس القضاء الأعلى والحكومة وماهو شكل أومستوى أو نوعية الانحراف الذي يتوجب على هذه الجهات الرسمية كلها مكافحته؟ وهل يتوجب علينا بعد أيام أو أسابيع أو شهور أو سنوات وبسبب تعددية الأجهزة التي لا مهمة لها سوى “المكافحة” أن نطلق علينا كدولة تسمية “دولة المكافحة” ولأن نظامنا ديمقراطي ولله الحمد فإننا يمكن أن نضيف وبكل جدارة صفة “الديمقراطية” على هذه
الدولة؟
لنبدأ من دول الجوار الست .. كم دولة منها توجد أجهزة حكومية باسم جهاز مكافحة كذا أو مجلس مكافحة كيت؟ هل في إيران أجهزة من هذا النوع؟ أستطيع أن أخمن لاتوجد؟ هل في تركيا أو سوريا أو الأردن أو السعودية أو الكويت مثل الأجهزة التي لدينا التي نكافح فيها الفساد والإرهاب والمخدرات والدكات العشائرية والتحرش بالنساء؟ أنا لا أقول إن هذه الدول تخلوا من الفساد والمخدرات والإرهاب والتحرش. أبدا كل هذه الدول وربما دول أوربية متقدمة تشكو جزءا مما نشكو منه نحن.
إذن أين الفارق طالما كلنا “في الهوى” أو في الأقل نسبة منه سوى؟ الفارق أن في معظم تلك الدول مؤسسات دولة يحكمها القانون وتحتكم هي الى القانون. قانون واحد وفي سياق مؤسسة واحدة هي مؤسسة دولة تنطوي على خبرات متراكمة ومن خلال كوادر قادرة على التعامل مع مختلف الظواهر أو الحالات بمن فيها الحالات الطارئة التي يمكن أن تمثل انحرافا عن القيم التي يؤمن بها ذلك المجتمع.
الأمر لدينا مختلف الى حد كبير, وهو ماجعلنا نلجأ في معالجة قضايانا ومشاكلنا وأزماتنا بطرق وأساليب فيها الكثير من الارتجال والتجريبية والترقيعية وحتى “التلزيكية”. ففي وقت لدينا عدة مؤسسات معنية بمحاربة أو مكافحة الفساد شكلنا مجلسا أعلى لمكافحته لا لشيء إلا لكون سياقات عمل الدولة غير مبني على فكرة المؤسسة. وفي وقت لدينا دوائر وأجهزة وقوانين لمكافحة المخدرات صار لدينا جهاز خاص لذلك. وفي وقت لدينا قوانين نافذة للتعامل مع الجرائم والجنح بكافة أشكالها بمن فيها “الدكات العشائرية” ذهبنا فإننا أضطررنا الى إصدار قرارات تبدو من الخارج أكثر صرامة حين عاملناها معاملة الإرهاب بينما يكفي قانون العقوبات العراقي المعدل في معالجة مثل هذه الحالات. الأمرنفسه ينطبق على ظاهرة التحرش بالنساء. فالقوانين الموجودة كافية في معالجة مثل هذه الظواهر الشاذة.
لكن اللجوء الى أجهزة جديدة وقرارات جديدة وأجهزة وتشكيلات جديدة لاتعني سوى شيء واحد وهو إضعاف الأجهزة الأصلية المعنية بمثل هذه الأمور وماتستند عليه من قوانين بعضها يعود الى عدة عقود من الزمن. ربما هناك من يسأل لماذا تلجأ الدولة الى إضعاف أجهزتها بحيث تضطر الى تشكيل أجهزة رديفة؟ السبب واحد وهو.. “التلزيك”.