بصرف النظر عما تتناقله وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي من خطابات متضادة بشأن الضربات الإسرائيلية لمواقع عسكرية داخل العراق، والتي أنتجت ثنائية مقيتة تضعنا على مفترق هزيل من التفاضل والانحياز، قليلون قرأوا الأمر بعقلانية وواقعية، فمهما كان نوع الهدف يبقى العدوان الإسرائيلي سافراً ومنكراً ومداناً، ولا يمكن وصفه إلا بالمتهور والاستفزازي، فإن كانت تستهدف إيران فإيران على مرمى طائراتها، وإذا كانت تستهدف الحشد الشعبي بحجة أنه ذراع إيراني فهذه حجة واهية تسقط أمام العديد من الأسباب، فالحشد الشعبي مؤسسة أمنية تأسست بقانون نافذ، ووجودها شأن عراقي، مثلما تمتلك إسرائيل نفسها قوة احتياطية لجيشها تستنفر حين الحاجة، أما خلط الأوراق من بعض المتربصين والعملاء وإطلاق صفة ميليشيات إيرانية فهذا يشبه التوصيفات السابقة لجيشنا وقواتنا الأمنية بكونها صفوية ومجوسية التي مهدت لداعش، أما إذا كان استهداف الحشد لأنه كان ركناً أساسياً من أركان الانتصارات على داعش فالمصيبة أعظم، لأنه لا خلاف على أن داعش مشروع إسرائيلي لتفتيت سوريا والعراق ابتداء، والحشد أفشل هذا المخطط وعلى خلفية الانتصارات فشل مشروع انفصالي آخر مدعوم إسرائيلياً.
إسرائيل بكل المعايير الوطنية والإنسانية كيان غير شرعي، وإذا كانت الأمم المتحدة قد اعترفت بها رسميا العام 1948 فبعد مرور عام تقريباً وافقت الجمعية العمومية على انضمامها بشرط التزامها بمواثيق الأمم المتحدة، وأن تتعهد بالالتزام بقرار الجمعية الخاص بتقسيم فلسطين وقرار عودة اللاجئين، لكنها لم تلتزم بأي منهما، وتمادت فلم تمتثل لقررارات مجلس الأمن وأهمها القرار 242 الصادر عن مجلس الأمن بعد حرب حزيران 1967 ولم تنفذ من قرار 338 بعد حرب 1973 سوى وقف إطلاق النار وقد كان مشروطاً بتنفيذ القرار السابق 242، وواصلت سياساتها العدوانية، فلم تكتفِ بحصولها على حق أممي في حدود معروفة ولا بما احتلته من فلسطين، بل احتلت أجزاء من الدول العربية المجاورة، واجتاحت بيروت وقصفت المفاعل النووي العراقي وتدخلت عبر عملائها وجواسيسها في شؤون الكثير من الدول، ولم تعترف بأي حق ولا بأي اتفاق ولم تنضم إلى اتفاقية حظر الأسلحة المدمرة على الرغم من امتلاكها للسلاح النووي، وكل الأفعال العدوانية لهذا الكيان تنم عن كونه كياناً قلقاً، ويتوقع في لحظة ما ستسقط الأقنعة وستنهار أباطيله، فيعيش حالة خوف (فوبيا) متأصلة ومتجذرة تاريخياً وثقافياً ونفسياً، فيحاول أن يستبق التوقعات وينتهز الفرص لإظهار قوته.
نحن مع حصر السلاح بيد الدولة، وضد أي تدخل في شؤوننا، سواء من إيران أم من غيرها، فما بال البعض ممن يرتبطون بدول أخرى غير إيران يستقبل التدخل الإسرائيلي شامتاً بإيران أو بمن يرتبط بها؟ لا ننكر وجود ميليشيات مدعومة من إيران كما لا ننكر وجود ميليشيات مقابلة مدعومة من دول عربية وإسلامية معروفة، وهذه نتاجات مرحلة سيتجاوزها الواقع العراقي، لكن أن ننتظر حلاً من عدوان إسرائيلي فهذا منتهى الانحدار.