أقر مؤخرا، قانون تعديل قانون انتخابات مجالس المحافظات الذي سيتم على ضوئه، إجراء انتخابات مجالس المحافظات، في العام المقبل.. وما يهمنا من التعديل، هو الفساد الاداري والمالي، ومدى قدرة هذا القانون على مكافحته. إن من أهم ادوات مكافحة الفساد هو القانون، وهذا القانون، هو قانون الانتخابات، الذي يتم على أساسه، انتخاب ممثلي الشعب، سواء في مجلس النواب أو مجالس المحافظات.. فيمكن من خلال هذا القانون، وضع نص قانوني يمنع الفاسدين من الترشح للانتخابات، ولاشك أن هنالك نوعين من الفاسدين: الأول هو من ثبت فساده بقرار قضائي بات، والثاني من عليه قضايا جزائية قيد التحقيق، ولم يتم حسمها. النوع الثاني هو الأكثر عددا من النوع الأول، لأسباب كثيرة، وهذا النوع، رغم عدم ثبوت فساده قضائيا، إلا أن فساده ثابت واقعيا، ثابت لدى جميع الأفراد، فالمسؤول عن الإعمار والبنى التحتية والمشاريع والعقود، حين تكون مدينته تعاني من الخراب وقلة البناء وانعدام الخدمات، فهذا أقوى الأدلة على فساده. كما أن الاجراءات القانونية الخاصة التي تتبعها محاكم التحقيق المختصة بنظر قضايا النزاهة قد تتسبب بتأخر إجراءات حسم تلك الدعاوى. قانون التعديل هذا، اشترط على المرشح أن يكون حسن السيرة والسلوك غير محكوم عليه بجناية او جنحة مخلة بالشرف بما فيها قضايا الفساد الإداري والمالي بحكم قضائي بات ،سواء كان مشمولا بالعفو عنها من عدمه. وهذا يعني أنه بإمكان المسؤول الذي مازالت هنالك قضايا ضده مهما كان عددها او كمية الأموال التي تسبب بهدرها، لم تحسم بعد، فإنه بإمكانه أن يرشح وفي حال فوزه، فإن استمرار تلك القضايا بحقه يصبح شبه مستحيل، أو في حال استمرارها، ووصولها الى المراحل النهائية، كصدور قرار بها يدين ذلك المسؤول، فإنه من الصعب تنفيذ ذلك القرار. لذا كان على مجلس النواب، أن يكون أكثر شدة وجرأة في شمول المتورطين في سرقة المال العام، عبر منع أي مسؤول حكومي عليه قضايا فساد في المحاكم من الترشح، وإلا فما معنى أن محافظا عليه الكثير من القضايا التي تخص المال العام، وبسبب عدم حسم تلك القضايا، رشح لانتخابات مجالس المحافظات، وفاز بمقعد في المجلس، ونال حصانة تمنع من محاسبته. إن منع وصول الفاسدين الى السلطة، هو أهم إجراء وقائي يتخذ لغرض مكافحة الفساد، فبدلا من انتظار الفاسد كي يسرق المال العام، يتم حرمانه ومنعه من الوصول الى المواقع الادارية المهمة، والسماح لمن لا مؤشرات عليهم. إن مصداقية السلطة التشريعية في دعواتها لمكافحة الفساد، ورؤية الدولة العراقية المتمثلة بتكاتف جميع السلطات لمواجهة الخطر المتمثل بالفساد، يستدعي من البرلمان أن يكون داعما لجهود السلطات الرقابية في جهودها عبر سن وتشريع القوانين الرادعة والكفيلة بمنع الفاسدين من الوصول الى السلطة، أما الاكتفاء بمنع من صدرت عليهم أحكام باتة، من دون الالتفات الى وجود نسبة كبيرة من المسؤولين الذين ثبت فسادهم للجميع، ولكن بسبب الظروف السياسية الخاصة لم تتم محاسبتهم وإخضاعهم للقانون، لذا فمن الطبيعي التشدد في هذا الأمر بدلا من جعل الأمور تبدو طبيعية من حيث الاكتفاء بمن صدرت بحقهم احكام، في حين هنالك الكثير من الفاسدين لم تحسم قضاياهم بعد، ويستخدمون المناصب الحكومية للتستر على فسادهم، أو لنيل الحصانة عن طريقها.