شعوب هزمت اليأس وانكماش الثقة

الثانية والثالثة 2019/08/28
...

عدنان أبوزيد

تعصف الاحداث السياسية والأمنية، بالثقة التي يسعى العراقيون الى تعزيزها، سواء بأنفسهم، او بالقرار السياسي الذي يوجّه مقادير البلاد، بسبب خطاب اعلامي خارجي ومحلي، ورسائل نفسية، تتعمّد تعظيم الهواجس في الذات العراقية، لجعلها تنسحب على نفسها، وتنزوي عن الدور الوطني، وحتى الحياتي، ترقبا لإعلان مؤسف عن الاستسلام، بسبب الخيبة.
دروس التاريخ، تكشف عن انّ اغلب الشعوب صاحبة الإنجازات العظيمة، مرّت بمرحلة من انكماش الثقة في الذات والوطن، بسبب الحروب والاخطاء، والفساد، لكنها في النهاية، ظفرت، وتطوّرت، وباتت على مستوى واحد من القوة والتطور، مع الدول التي كانت في يوم ما، متفوقة عليها، بل ومستعمِرة لها.
استفاد العقل الأميركي من أزماته في الحروب الاهلية والاحتلال الأجنبي، وأعتق نفسه من الأفكار الملغومة في العنصرية والمناطقية، والانجرار الى العقد التاريخية باتجاه صناعة الديمقراطية بهياكل فولاذية، قادت الى استقرار كبير، أدى الى تطور في التربية والتعليم، باتجاه الانتاج والابداع والابتكار، وقادت الارادة القومية في التفوق، الى نقلة نوعية في الحياة، ولم يكن هذا التفوق، وليد قرار قسري، بل تدرج طبيعي بسبب صواب السياسات والخطط.
في روسيا، أدرك بوتين، انهيار الدولة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، فكانت المهمة الأولى له رئيسا لروسيا العام 2000، هي توحيد الشعب الروسي، قائلا ان “العمل الإبداعي لن يتم في ظل انقسامات داخلية وتشتت المجتمع”، ومعتبرا ان “مفتاح روسيا في الانتعاش والنمو يكمن في دولة قوية وذات سلطة». 
اليابان، بعد الهزيمة النكراء خلال الحرب العالمية الثانية وتحولها الى أمة منكسرة وفقيرة، بتوقيع إمبراطورها لوثيقة الاستسلام وتعيين جنرال اميركي، حاكما فعليا، أبرأت جروحها، لتصبح اليوم، الاقتصاد الثالث عالميا بعد الولايات المتحدة الأميركية والصين، بدخل قومي يبلغ نحو الخمسة تريليونات دولار، والثالثة في تصنيع السيارات والأولى في صناعة الإلكترونيات، والدولة الأكثر إقراضا للدول الأخرى.
ألمانيا بعد حرب الثلاثين عاماً الطائفية، بين البروتستانت والكاثوليك، والحرب العالمية الثانية منتصف القرن الفائت، 
نهضت باقتدار وبسرعة قياسية رغم عدم امتلاكها نفطا أو غازا أو أي موارد طبيعية أخرى، لكن استثمارها في التربية والتعليم، لخلق جيل يؤمن بالعمل والعلم، حسم الموقف لصالح إعادة الإعمار فائق السرعة، وتمكين الشعب من امتلاك أدوات النيوليبرالية القائم على اقتصاد السوق الاجتماعي لإعادة تشكيل الأموال والسير وراء سلطة مركزية، وحّدت الشعب الألماني.
الصين التي توجد اليوم، في كل مكان، وتصنع قطع غيار طائرات بوينغ 757،  وتكتشف الفضاء بالصواريخ، وتجذب رؤوس الأموال، كانت الى وقت قريب، دولة زراعية متخلفة، تعاني من الكثافة السكانية الهائلة، بأكثر من مليار نسمة، معظمهم من الفلاحين، يسود بينهم الجهل والتخلف، ارتقت الى مصاف الدول المتطورة، بواسطة تحريض الفرد على النشاط والابتكار، بعد تأهيله بالتعليم المجاني، ليصاحب ذلك السيادة الوطنية على الموارد، وتبني سياسة السلام، لطمأنة الدول المجاورة من النهضة العملاقة، فضلا عن إصلاح متدرج للاقتصاد وتطوير البنية التحتية والتصدي الحاسم للفساد.
قائمة طويلة للشعوب التي بعثت تطورها وتقدمها من رماد الحروب والتخلف وروح الانهزامية، تسامت فيها الطاقة السلبية الى إيجابية، واضمحل انكماش الثقة، وسخّرت الحمولة المعرفية والارث التاريخي، الى دروس في التربية والتعليم عن كيفية إدارة الازمات، ليس على مستوى النخب بل على مستوى الفرد، الذي هو الأساس في تجاوز حقبة من الشعور بالخذلان والانهزامية، يراد لها ان تطول.