رفن الحسني
قد تكون مقدمات لغد ليس أبيض، بل لمستقبل قد يكون مشؤوماً وفق المقاييس العلميَّة المعهودة، فهناك مؤشرات صريحة قاتمة اللون وما سيؤول له مستقبل الوطن مع جيل البوبجي والفيسبوك والأراكيل، ملهيات وملذات ومغريات يغرق بها الكثيرون بمطاعم وكافيهات ومكاتب الألعاب تبدأ ولا تنتهي في حارات وشوارع وأزقة ومجمعات تربويَّة أيضاً، حتى بات انتشار أماكن الترفيه يشكل خطراً صريحاً على بنية المجتمع،
الكل يتحمل المسؤولية والكل له دورٌ في مراجعة ومعالجة الواقع المزري لأبنائنا وفلذات أكبادنا الطلبة، لكن تبقى المسؤولية الأكبر للأسرة من الأب والأم والأخ والأخت، فما عرفنا وسمعنا على مر السنين بأنَّ “الأم مدرسةٌ إذا أعددتها... أعدت شعباً طيب الأعراق”، هكذا ينظر الآخرون للأم، مقدسة مربية فاضلة مجاهدة صبورة رغم الظروف القاسية، ليخلدها الشاعر حافظ إبراهيم وكأنها خط أحمر في قصيدته الشهيرة العلم والأخلاق، ومن أعظم الأشياء التي تدلنا على عظمة الخالق جل وعلا هي الأمومة، باعتبارها النقطة المحوريَّة وأساس بنية الإنسان التي تبدأ بها، فلها مكانة عليا في الاعتبارات الاجتماعية أو الدينية، والله تعالى جعل برها ووصلها بالحسنى فوق جميع الروابط الإنسانيَّة، صاحبة الدور الأعمق في بناء جيلٍ واعٍ، فإن صلحت صلح مجتمعٌ بأكمله حيث تبدأ مسؤولياتها منذ خروج وليدها للحياة، لتأخذ النصيب الأكبر في تربيته.
التاريخ يزخر لنا بتراث جم عن مآثر الأم حتى مع غياب الأب لساعات العمل الطويلة عن المنزل، فتكون هي القطب الذي يكرس القيم والأسس الصحيحة في التنشئة السليمة، فهي تدرك وتعي تماماً قيمة الثبات على الأخلاق لخلق حالة من النظام داخل أسرتها وصولاً لتنشئتهم، والواقع يبلغنا بتخرج أجيال من علماء ومفكرين وأطباء وبناة، وتخبرنا الكثير من وسائل الإعلام عن الأم العراقية التي أنجبت كبار الشعراء والمهندسين والأطباء ممن يعملون في كبرى مستشفيات الدول العظمى بل بالعالم أجمع، لا ندري ما جرى لها مؤخراً مع زحمة انتشار الملهيات والملذات الالكترونية لنجد أنَّ نزوات بعض النساء لاحت مصير مجتمع بأكمله، نعم يا سادة هذه حقائق وليست ادعاءات، فنتائج الدراسة المتوسطة والإعدادية خيبت الآمال وكشفت لنا عورة لا يمكن أنْ نواريها، وطن عظيم مثل العراق تشهد له كبرى الجامعات العالمية يمر في منعطف قد يحرف مسار مستقبله بأكمله مع نتائج الدراسة الوزاريَّة، سيطالبون التعليم العالي بمنحهم مقاعد دراسية جامعية خارج العراق وداخله.
طلبتنا أذكياء ومنهم عباقرة في لعبة البوبجي ويتفوقون على أقرانهم بالألعاب الالكترونية، وهو ما أثر في الامتحانات الوزاريَّة المركزيَّة التي باتت محوراً قياسياً لفهم ومعارف الطلبة، وبالتأكيد إنَّ الأسرة هي الأساس بالتعليم، فعدم مبالاتها ومراقبتها لسلوك ونهج الأولاد إنما أسهم بشكل مباشر في تسويف عمل المدارس أيضاً وليس الأولاد فحسب، انتشار المدارس والكليات الأهلية الفاشلة وإقحام الأبناء لنيل شهادات النجاح المزيفة هو من قاد الى أنْ يكون التعليم بهذا المستوى، عدم اكتراث الأسرة في متابعة الأولاد وواجباتهم المنزلية وعدم إحراج المدرسين بتفوق الطلبة في واجبهم البيتي من دون تعلمه في الصف سيقود المدرسة إلى مراجعة وتغيير نهجها التربوي، فالحقيقة في الأسرة هي مركز العلة والداء في تشجيع الأولاد على الهروب من الدراسة الجادة نحو مدارس وكليات شبه وهميَّة، ومن ثم تشجيع المدارس الحكوميَّة بعدم الاكتراث للأولاد وهو ما أسهم في تردي التربية عموماً، ونحن نقول الأسرة عموما إلا أنَّ الأدق هي الأم، المخلوقة الالهية التي منحها البارئ عز وجل منزلة كبيرة لتكون كائناً عظيماً على مر الأزمان، ربما ستصبح حكاية تحكى إنْ لم تتحمل مسؤوليتها بجدية في متابعة ولدها ليكون طالباً ناجحاً أو متميزاً، فالفشل ليس عنواناً لائقاً بالأم وتاريخها المشرف، لا يمكن أنْ نسمح لأحد أنْ يقول عنها باتت تتلاشى شيئاً فشيئاً، أو إنها انجرفت مع سيل العولمة التي تحاول تمزيق مجتمعاتنا وما هو موجود من تراث تربوي إنساني، فبالوقت الذي ترادفه مخاطر جمه باتت الأم تهدد مستقبلنا جميعاً، كون الطامة الكبرى ليست بتراجع مستوى التعليم للأبناء فحسب، بل في إلهاء الأم عن أبنائها وعدم اكتراثها، هم في وادٍ وهي في وادٍ آخر، الناقوس يدق أجراسه مع دخول “النت” وبرامجه الترفيهيَّة التي تزاحم الأم بكل شيء، لنرى أحياناً أسرة بأكملها منشغلة بالألعاب والسوشيال ميديا والمسلسلات التلفزيونيَّة، وكُلٌ في
عالمه.
مستقبل أولادنا الى أين؟ من المسؤول عن تشتت هذه الشريحة الطلابية؟. حتما إنَّ الأم المسؤول الأكبر ومن ثم المجتمع، هذه حقيقة قد تكون مرَّة نوعاً ما إلا أنها أهون من أنْ نرى مستقبلاً يخيم عليه الفساد والجهل والأمية تحت مسميات كاذبة، لنجد أنفسنا في أسفل القوائم بالعالم، هي دعوة شاملة لكل أب ولكل أم ولكل أخت وأخ ارحموا الأولاد وتابعوهم متابعة جادة قبل أنْ يفوت الأوان ويتحولوا إلى نقمة لا نعمة، دعوة إلى تقليل ساعات البوبجي والألعاب والكف منها أأمن وأفضل حتماً، مع إكثار ساعات مذاكرة الأولاد، دعوة إلى متابعة المدرسة والمدرسين، دعوة إلى التمتع مع الأبناء في تحضير واجبهم المنزلي بمشاركة وتشجيع الأسرة، دعوة لتقليل ساعات الخروج من المنزل وساعات الترفيه ومشاهدة القنوات وبرامج الموبايل، دعوة إلى الله تعالى أنْ يهدي الأمهات على أولادهن.