راحةٌ للبعضِ وأعمالٌ شاقة لآخرين

اسرة ومجتمع 2019/08/31
...

بغداد/ آية حسين 
تعدُّ العطلة الصيفيَّة المتنفس الترفيهي للطلبة بعد انتهاء العام الدراسي الطويل المليء بالتعب، إذ يختلف طلبة الجامعات في قضاء عطلتهم وأوقات فراغهم عن طلبة الإعدادية وبقية المراحل الأخرى، لكونهم قد وصلوا إلى مرحلة من الوعي والإدراك وأصبحوا ينظرون إلى الحياة من زوايا مختلفة، إذ تتعدد الاهتمامات لديهم باختلاف أفكارهم وطموحاتهم ومسؤولياتهم. 
فالبعض منهم يقضي عطلته في العمل من أجل تأمين احتياجاته في الدراسة ومساعدة أهله، خصوصاً ذوي الدخل المحدود، بينما يحاول البعض الآخر تطوير إمكاناته وقدراته من خلال قراءة بعض الكتب التي تساعده على اكتساب معلومات ومعارف في المجالات المختلفة، أو دخول دورات لتعليم اللغة أو في مجال الحاسوب أو التصوير، لكنَّ الفئة الأغلب منهم يمتلكون وضعاً معاشياً جيداً ويعدون من المترفين فيختارون قضاء أوقات العطلة بين النوم والخروج مع الأصدقاء أو السفر الى أحد البلدان، وهذا الأمر قد ينعكس سلباً على شعورهم بالمسؤولية وتحملهم لها أحياناً.
 
استثمار الوقت
يقول الطالب جامعي أمير ضياء: “أقسم وقتي بين العمل ومتطلبات المنزل والترفيه وممارسة الهوايات فأقضي يومياً ست ساعات في العمل صباحاً وبعدها أنشغل بما يحتاجه البيت مني، ومساءً استثمره مع الأسرة وأحياناً مع الأصدقاء”، ويضيف: “كل يوم قبل منتصف الليل أحاول أنْ أقرأ كتاباً أو رواية لمدة ساعة بعدها أتجه إلى النوم مباشرة ، ومع ذلك ليس هناك خطة معينة لاستثمار العطلة غير الانشغالات الاعتياديَّة هذه”.
وتساعد استبرق علي (طالبة جامعيَّة) والدتها في أعمال المنزل في الصباح، أما المساء فتقضيه في العمل على جهاز الحاسوب لكونها تعمل مندوب مبيعات لدى إحدى الشركات في عطلتها من أجل جمع الأموال لسد مصاريف دراستها، موضحة بقولها: “بقية اليوم أحرص على اكتساب عادة جديدة وهي قراءة بعض الكتب عسى ولعل أنْ استمر عليها لما لذلك من أثر كبير في المستقبل”، مؤكدة “ضرورة أنْ يستغل طلبة الجامعة أوقات فراغهم في الاطلاع وقراءة الكتب من أجل اكتساب معلومات في مجالات متعددة”.
 
مساعدة الأهل
أما الطالب الجامعي حيدر هشام فبعد انتهاء العام الدراسي بالنجاح بالمرحلة الثالثة ووصوله إلى المرحلة الرابعة والتأهيل للتخرج والتفوق فعكف على استثمار عطلته الصيفيَّة في مساعدة والده في العمل بمحل تصليح السيارات، وحين عودته للبيت بعد انتهاء العمل يقوم بكتابة المقابلات والتحقيقات ومن أجل مشروع التخرج الذي يسعى لإكماله قبل بدء العام. 
ولفت هشام إلى “حرصه قبل بداية العام الدراسي الجديد كالعادة على السفر إلى أحد البلدان المجاورة كإيران أو تركيا للترفيه والاستمتاع وتغيير الجو برفقة الأهل.
 
فرصة عمل
ويقضي علي حسين (طالب جامعي) عطلته الصيفيَّة في البحث عن أي عمل من أجل إعانة أسرته وتلبية احتياجاتهم، مبيناً حالة الحزن والألم التي تنتابه كل يوم وهو يجاهد في سبيل الحصول على عمل لكنه لم يجد اذناً صاغية له، أما مساءً فيجلس مع أفراد أسرته وأحياناً أخرى يخرج مع بعض أصدقائه ومن النادر أنْ يجد عملاً مناسباً له، إذ إنَّ أغلب ما يعرض عليه من أعمال يكون شاقاً في الصيف ويتطلب تفرغاً تاماً وبذل جهود منه فيرفضها”.
 
الروتين اليومي
وتقول الطالبة الجامعية إسلام مهند: “بعد انتهاء العام الدراسي المتعب أحاول أنْ أقضي أول الأيام بين الجلوس والنوم في المنزل من أجل الاسترخاء والتخلص من التعب الذي كان يرافقني طيلة العام الدراسي”.
وتضيف “في الغالب بأوقات الصباح أساعد والدتي في أعمال المنزل، أما في المساء فأقضيه في تدريس مجموعة من التلاميذ داخل المنزل من أجل توفير أموال مستلزمات الدراسة، أما في باقي اليوم فأقوم في التواصل مع زميلاتي وأتصفح مواقع التواصل وأشاهد التلفاز”، مشيرة الى أنَّ يوم الجمعة لديها مميز وفيه تمارس طقوساً معينة حيث تخرج لزيارة الأقارب والذهاب إلى أحد الأماكن الترفيهية من أجل الاستمتاع”.
 
تحقيق التوازن
يرى الباحث والأكاديمي أحمد عباس الذهبي أنَّ “العطلة الصيفيَّة هي الراحة بعد العناء، وهي المكافأة بعد جهود الدراسة والمثابرة”، ويضيف “هي فرصة لاكتساب مزيدٍ من المعرفة والعلم وتنمية الإبداعات، وتحقيق التوازن النفسي والثقة بالنفس”.
لافتاً إلى أنَّ “هذه العطلة بالنسبة لطلاب كثر تُعدُّ فرصة للعمل سواء في الاختصاص الدراسي أو سواه، من أجل تأمين الاحتياجات المادية والدراسية، خصوصاً الفئات الفقيرة أو أبناء محدودي الدخل الذين بالكاد يؤمّنون متطلبات معيشة أُسرِهم اليومية”.
مبيناً أنه ومنذ عقود بعيدة كان عددٌ من طلاب الجامعة يعملون خلال العطلة الصيفيَّة بغية تأمين بعض مستلزمات الدراسة، وهذا باعتقادي ينطبق على أبناء الريف والمدينة على حدٍ سواء، ذلك أنَّ فكرة العمل بحدّ ذاتها مُحببة لدى بعض الأهل، أو حتى الطلاب الذين لا يرغبون كثيراً في حالة الاسترخاء في البيت خلال الصيف.
وأضاف أنَّ “الشباب هم العمود الفقري للدول والمجتمعات، فهم الفئات الأكثر عطاءً واستيعاباً لمختلف التطورات والتقنيات العلميَّة الحديثة، لذا فإنَّ الدول والحكومات المعنيَّة بتطوّر المجتمع لا بدّ لها أنْ تُعنى بتطوير الشباب لديها من خلال إتاحة فرص التعليم بمختلف تنوّعاته واختصاصاته، فضلاً عن خلق فرص عمل يحتاجونها لتدعيم معارفهم العلميَّة النظرية، فتكسبهم مهارات متنوّعة”.