اسطنبول / فراس سعدون
شاهد عدد كبير من سكان العالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وهو يشتري آيس كريم لنظيره وضيفه التركي، رجب طيب إردوغان، في أثناء زيارتهما، قبل أيام، معرضا للطيران قرب موسكو، على الرغم من سخونة الملفات التي يناقشها الزعيمان، وعلى رأسها الصراع في إدلب وعموم الشمال السوري، ووجود التنظيمات المسلحة المعادية لدمشق هناك، وحين عاد إردوغان التقط الهاتف ليتحدث مع نظيره الأميركي عن ملفات مشابهة لا تقل سخونة، ومنها وجود التنظيمات المسلحة المعادية لأنقرة في الشمال السوري أيضا.
المعارضة التركية تنتقد
وانتقد حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، السياسة الخارجية لحكومة إردوغان، وحمل الحكومة مسؤولية وضع تركيا في موقع تتجاذبه أيدي كل من الولايات المتحدة وروسيا القوتين العظميين والخصمين التقليديين.
وقال أونال جفيكوز، نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري، في مؤتمر صحفي أعقب زيارة إردوغان لموسكو: "تغمضون أعينكم فترون فجأة أن تركيا تشتري منظومة الدفاع إس – 400 من روسيا، وبعد هذا بقليل تبدأ مع الولايات المتحدة الأميركية أعمال إنشاء المنطقة الآمنة شمال سوريا، ثم تنظرون فترون أن تركيا والولايات المتحدة اتخذتا قرار تأسيس مركز للعمليات المشتركة في سوريا، وبعد هذا يحدث هجوم على نقاط المراقبة التركية في إدلب، وعلى الهامش تجرى محادثات هاتفية لحماية العساكر الأتراك، وخلال هذا تتسلم تركيا الدفعة الثانية من إس – 400".
وعقب جفيكوز على هذا التداخل بأن "تركيا في علاقاتها مع الدول ليست مؤثرة بل متأثرة، وقد جرى سحبها من الطرفين بواسطة قوتين عالميتين، وهذا ينعكس على سمعة تركيا بين الدول".
وحذر من أن "تطبيق تركيا الخاطئ للسياسة الخارجية يجعلنا نتخوف من حدوث تطورات أسوأ".
ويؤكد كبار المسؤولين في الحكومة التركية باستمرار أن تعزيز العلاقات مع روسيا لا يأتي على حساب العلاقات والتحالف الستراتيجي مع الولايات المتحدة.
ويدرك باحثون متخصصون في العلاقات الدولية حاجة تركيا للتعامل مع كل من القوتين العالميتين.
شروط لا تعجب تركيا
ويقول عبد الفتاح طاحون، الباحث المتخصص في الشؤون الروسية والشرق أوسطية، لمراسل "الصباح" في اسطنبول: إن "العلاقة التركية الروسية، بجميع جوانبها، أطول عمرا من العلاقة التركية الأميركية، وإن التلاقي التركي الروسي، بجوانبه السلبية والإيجابية، أكبر من التلاقي التركي الأميركي، على الرغم من أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو) بقيادة الولايات المتحدة".
وتشارك تركيا بثاني أكبر قوة من حيث الأفراد في حلف الأطلسي، وتحتضن واحدة من أكبر قواعده (انجرليك).
ويرى طاحون أن "التفاهم الروسي التركي، وإن جر إلى عدم تفاهم تركي أميركي، إلا أنه مطلوب". ويستدرك "لكن الأميركان، بطبعهم وكما تعودوا في المنطقة منذ عقود، يملون الشروط، والآن هذه الشروط لا تعجب تركيا، وليس من المنطقي في النهاية ألا يمكن تفاهم الأتراك مع الروس لأن الأميركان لا يمكنهم أن يتفهموا هذا التفاهم".
ويعبر طاحون، وهو محاضر في أكاديمية العلاقات الدولية باسطنبول، عن تفاؤله بأن "التفاهم سيكون أكبر، على الرغم من وجود إعاقات من الجانب الأميركي، لأن العلاقة الروسية التركية ذات طابع سياسي تجاري، أما العلاقة التركية الأميركية فهي ذات طابع سياسي عسكري".
وعلقت الولايات المتحدة مشاركة تركيا في برنامج تصنيع طائرة الشبح المقاتلة إف – 35 بعد شراء تركيا منظومة إس – 400، وهو تعليق يواصل المسؤولون الأتراك الاعتراض عليه، بحجة أن تركيا شريكة في البرنامج وتتولى تصنيع الكثير من قطع المقاتلة، وقد دفعت حتى الآن 1.4 مليار دولار في إطار البرنامج.
وبدأ إردوغان وعدد من المسؤولين في حكومته الحديث عن التوجه لشراء مقاتلات من مصادر أخرى إذا لم تحصل تركيا على إف – 35.
واطلع إردوغان على عدد من الطائرات الروسية في معرض "ماكس – 2019" للطيران والفضاء في مدينة جوكوفسكي، بما في ذلك أحدث مقاتلة روسية من طراز سو – 57 من الجيل الخامس.
وسأل إردوغان بوتين عند تفقده الطائرة المقاتلة "هل هذه هي سو – 57؟ بدأت طلعاتها؟"، فرد بوتين "إن الطلعات بدأت"، ثم سأله إردوغان "هل يمكن شراؤها؟"، فأجابه "نعم، يمكنكم شراؤها".
ويصف الأكاديمي صفقة إس – 400 بأنها "صفقة مهمة في العلاقة التركية الروسية"، لكنه يلفت الانتباه لوجود "عناصر وستراتيجيات في العلاقة أكبر بكثير من هذه الصفقة". ويوضح أن "روسيا مصدرة للغاز جربت الشراكة مع الأوروبيين والصين، وتبحث عن شركاء مريحين، واليوم تركيا تتجه إلى الاقتصاد الصناعي وتحتاج إلى مصادر للطاقة، وسوق الطاقة تأثر في ليبيا، بعد أحداث الربيع العربي، ويمكن أن يكون قد تأثر بالعقوبات على إيران، والتفاهمات في سوق الغاز تحديدا التي يتولاها الرئيس فلاديمير بوتين شخصيا، تعني أن الاقتصاد الستراتيجي لروسيا أهم بكثير من صفقة سلاح هنا وهناك".