{مخدة} الندم

آراء 2019/09/03
...

نوزاد حسن
 
   لا اظن ان احدا لم يسمع من ابيه او امه او احد اساتذته قصة محاسبة الانسان لنفسه قبل النوم.قيل لنا دائما قبل ان تضع رأسك على الوسادة فكر في الاشياء التي عملتها في النهار, وحاسب نفسك على الذي قمت به من تصرفات قد تكون آذت صديقا او اخا..في الحقيقة انا اسمي هذه المحكمة الشخصية بمحكمة المساء العادلة.فالقاضي والمتهم هو واحد.لا احد يتدخل في جرد الافعال السيئة غير صاحبها الذي يكون هو القاضي الذي سيصدر حكمه على نفسه اي على المذنب.لذا انا اتساءل :هل بقي من محكمة المساء الشخصية هذه من أثر.؟هل هناك شخص بسيط يقوم قبل النوم بجرد ما فعله في يومه,وهل يندم اذا كان قد اساء لاحد.؟
والاهم من هذين السؤالين :هل هناك مسؤول يمارس طقس محاكمة نفسه حين يضع رأسه على “المخدة” لينام.؟بعبارة ثانية اكثر دقة :هل ما زالت “مخدة” الندم تشهد على ذلك الاعتراف الانساني بالاخطاء التي نرتكبها يوميا.؟اظن انني اتحدث عن زمن اخر يختلف عن زمننا الذي نعيش فيه الان.
  لا اشك في ان المسؤول هو اكثر الاشخاص الذين يحتاجون الى الدخول قبل النوم الى محكمة المساء حيث يتجرد ذلك المسؤول عن منصبه ليواجه نفسه بحقيقة ما يفعله يوميا.كما لا ابالغ لو قلت ان اي مسؤول في هذا العالم لا يمكنه ان يستغني عن “مخدة” الندم التي يعترف امامها بانه اخطأ, او سرق او ارتشى او غير ذلك.هذه “المخدة” تعني شيئا مهما في حياة اي انسان وفي حياة المسؤول على الاخص.انها تعني ان الانسان حي ويطلب ماء الحياة.اما اذا وضع الانسان رأسه لينام فاحس بنعومة ديباج مخدته,وتخيل منصبه ومكانته فهذا يدل على ان الصفقة مع الحياة كتبت بشروط اخرى.وليست شروط الانسان الحقيقي تشبه شروط الانسان الذي يعتقد ان الحياة لا تتعدى المغريات والمتع الحسية التي يسعى الناس الى امتلاكها.
  “مخدة” الندم اذن هي موقف اخلاقي يمارسه الانسان عموما.وما اجمل لو مارسه المسؤول يوميا.كم سيكون الشعب محظوظا لو انه حصل على رجال ينصبون محاكم المساء حين يضعون رؤوسهم على مخداتهم.وهل حدث الامر على مر التاريخ.؟اظنه حدث في فترات قليلة ومتقطعة. لقد تصادف اني وجدت نفسي اعمل مع احد اولئك الابطال.كان الشخص الذي عملت معه مديرا عاما مميزا.كان منصفا ومتواضعا ويغضب للحق بقوة.وكنا نحتمل تشدده لان للنزيه تشددا لا يفهمه البعض.ومع الوقت كنا نرى نتائج عمل ذلك المدير.اعتقد ان مديري العام الراحل كان ممن يستخدمون “مخدة” الندم ومحكمة المساء لتنقية ارواحهم.ولكي يكونوا مشعين كضوء الشمس كان لا بد من البحث عن طريقة لغسل شوائب المنصب 
الكثيرة.
  افكر الان دائما بذلك الرجل الراحل.افكر ايضا باستاذي المترجم الكبير بسام البزاز الذي يعد احد اكبر مستخدمي “مخدة الندم”.فهل استغنت السياسة مثلا عن محكمة المساء ام ان هناك من يقوم بمحاكمة نفسه قبل فوات الاوان.