أبناء العم

آراء 2019/09/03
...

د. كريم شغيدل
 
    أكثر من خمسين يهودياً عراقياً أعدموا بتهمة التجسس لإسرائيل في الخمس سنوات الأولى لحكم البعث، من بينهم عشرة يهود علقت جثثهم في ساحتي التحرير وأم البروم في بغداد والبصرة في العام 1969، إلى جانب اثنين من الديانة المسيحية
، واثنين آخرين من الطائفة الشيعية أحدهم باكستاني الأصل، فأصبحت كلمة(جاسوس) ذات وقع رهيب على الأسماع، قرينة حبل المشنقة، ثم بدأ مسلسل الإعدامات السرية أو القتل أثناء التعذيب بسبب الضغوطات الدولية وردة الفعل على تعليق الجثث في الساحات العامة، فوبيا التجسس التي عاشها يهود العراق قد بدأت حقيقة بعد حرب حزيران 1967 وبلغت أوجها أثناء وزارة القومجي طاهر يحيى، إذ بدأت اتهامات الطابور الخامس وحملات لاعتقال العشرات ما لم نقل المئات وبدا التهديد واضحاً
، وفي العام 1966 قامت الموساد بعملية(007) تيمناً بأحد أفلام جيمس بوند، إذ قام الطيار منير روفا بالهرب بطائرته الميغ 21 إلى إسرائيل، فنحن لا نستبعد طبعاً تجنيد الموساد الإسرائيلي للجواسيس، لكن الأنظمة القومجية سواء في العراق أم في دول عربية أخرى اتخذت من ذلك ذريعة للانتقام من مواطنين أبرياء، ووظفت عمليات القمع والقتل لترهيب الشعوب، ومما تجدر الإشارة إليه أن الموساد كانت تعاني من اختراق المؤسسات العراقية أو إيجاد جواسيس، وقد عرضت بعض المسلسلات والأفلام السينمائية حكايات كثيرة عن الصراع المخابراتي التجسسي بين مصر وإسرائيل، وسمعنا العديد من القصص عن جواسيس لبنانيين وسوريين وما إلى
 ذلك.
    إسرائيل كيان يعيش حالة الرعب من المستقبل وتشعر بأنها محاطة بالأعداء الذين يتربصون بها ويتحينون الفرص، لكنها منذ اتفاقية كامب ديفيد مع مصر حتى يومنا هذا سائرة في مشوار التطبيع الذي كان مرفوضاً رفضاً قاطعاً من الأنظمة العربية التي تراخت تدريجياً برغم الرفض الشعبي، بل راحت تتسابق لخطب ود أبناء العم تقرباً لأميركا، فلم تعد الموساد بحاجة إلى جواسيس، تستدل من خلالهم على مواقع حيوية وعسكرية أو يزودونها بمعلومات سرية
، ولم تعد ثمة أسرار، بل لم تعد بحاجة إلى حروب كبيرة، ستكتفي بضربات ترهيبية وليست نوعية، ليس الغاية منها إيقاع الأضرار الكبيرة بل هي شرارات لاندلاع حرب إعلامية يخوضها بالنيابة عنها سياسيون وإعلاميون وأنظمة وقنوات إعلامية، شبكة كبيرة من المصالح تضع إسرائيل وإيران بين كفتي ميزان، وترى في إيران خطراً أكبر مما نتوجسه من أبناء عمومتنا الذين تصالحنا معهم في أكثر من محفل ومناسبة آخرها صفقة 
القرن.
  إسرائيل حين تخطط لضرب مواقع عسكرية للحشد الشعبي لديها تقنيات تجسسية وعملاء لا يخشون تهمة التجسس، فبعض الساسة التابعين لحلفائها متطوعون لخدمتها بالضرورة، ولا تحتاج لتبرير عدوانها، فهناك من ينوب عنها لإلقاء اللائمة على إيران وعلى الحشد الشعبي وعلى المرجعية التي أفتت بالجهاد الكفائي وعلى كل من قاتل داعش (المشروع الإسرائيلي لتفتيت سورية والعراق) وحرر الأرض من 
براثنها.