اثارة خاصية المسرح النسوي للتعبير ليس عن هموم المرأة ومكابداتها وانكساراتها واغترابها التي لا تنتهي في الحياة اليومية فحسب، بل التعبير عن وجهة نظرها الخاصة للعالم، ولنسق الهيمنة الذكورية المتعالية عن المرأة ذلك ماتمّ تأطيره في العرض المسرحي (ادرينالين) اداء ونص واخراج الفنانة الاردنية اسماء مصطفى والذي قدمته على منتدى المسرح التجريبي في بغداد مساء الاربعاء 28/ 8/ 2019.
ففي بوح جسدي مثير ومتناغم عن وجع الذات الانسانية في رحلة بصرية مكتنزة المعنى استمرت لاكثر من خمس عشرة دقيقة بدءاً من مخاضها في وضعها الجنيني وحتى ولوج العالم واستقرارها على وسط شكل معيني محدّد على سطح المسرح تتوزعه علامات في غاية الاختزال تشكلت في ضوئها رؤيتها للواقع والعالم فضلاً عن وعيها لشبكة العلاقات الانسانية والمجتمعية المتصدعة بفعل الخراب المتواصل للوجود ولوجود المرأة بذاتها ومن ثم تبدا رحلتها المثيرة للقلق وللوجع وتعاطف التلقي حين ندرك انها مصابة بالسرطان ولا بد من رفع ثديها الايمن (وذاكرة المرأة في نهديها) بوصفه رمزا للمحبة والحنان والوفاء ...هكذا تفضي بأسرارها ووجعها الانساني لتسترجع بذاكرتها محطاتها المؤلمة يوم رحيلها القسري من بلادها الى بلاد اخرى ومن ثم زواجها وانجابها لولدها بحر ورحيله الى بلاد اكثر امانا من الفوضى المشتعلة بنار الحروب والتفجيرات التي تنتهك من وجود الانسان وبلا رحمة الى ان نكتشف ان زوجها اصبح من المتطرفين المتشددين ويفجر نفسه في السوق ليقتل المزيد من الضحايا الابرياء وعندما كانت تساله عن جدوى انضمامه الى هذا العالم الظلامي يجيبها بانه سيلتقي بسبعين عذراء من حور الجنة فترد عليه بانه لم يتمكن من ادارة حياته مع سيدة واحدة فكيف بسبعين. وتم تأطير العرض على المستوى الفني باستدراج (حياة) شخصيتها في العرض ذاكرتها المشتعلة بالندوب عن طريق نسق العلامات الموزعة على شكل هندسي معيني مصمم ومحدد بعناية على أرضية المسرح، علامة لفرحها حين ارتباطها بحبيبها وزواجها منه، وعلامة لولدها بحر الذي سافر عبر البحار وفي التفاتة تنم عن وعي اخراجي وبصري وسمعي استخدمت فيه منخلا فيه كمية من الحصى الناعم وحيثما تحركه فاننا نسمع هدير البحر في حين تروي حكايتها لحظة تركه البلاد وبقاءها وحيدة، والعلامة الاخرى وجود ملابس زوجها وقناعا لرأسه على كرسي وهي تحاوره بألم عن اسباب فعلته الشنيعة التي أدت بها لان تكون وحيدة وجها لوجه مع قسوة الحياة فضلا عن اغترابها عن هذا العالم ومن ثمّ اصابتها بالسرطان، لكنها في النهاية تؤكد لذاتها ان تكون حرة وقابلة للشفاء.
ان قدرة اسماء مصطفى اتضحت في مستويين رئيسين أولا: بنية الشخصيات تجلّت تباعاً على وفق انساق العلامات التي تطلبت نسقين لكل منهما نسق قبلي ونسق بعدي لكل الشخصيات. وثانيا: وضوح الرؤية في تأكيد رؤيتها للعالم حين وضعت جميع العلامات بدلالاتها المتعددة باللون الابيض لترسيخ انتصار ذاتها المتحررة ليس من قساوة الهيمنة الذكورية التي تنفي اي اعتبار للمرأة وتركها وحيدة في اغترابها الوجودي والحياتي بل انتصارها على الذات المسرطنة للمتشددين الذين يريدون انتهاك الوجود الانساني. ومن ثم امكانياتها المبهرة في معالجتها الدرامية للقيم الفنية على وفق اشتباك العلاقات في تداعيها الحر في المتن الحكائي بصريا وسمعيا وحركيا وعلى وفق طاقة المكان الى قيم جمالية يستطيبها
التلقي. مصطفى