اوجز الرئيس ترامب رؤيته حول ازمة الملف النووي الايراني بالفيتو الذي رفعه بوجه طهران وبصراحة لا تقبل التأويل : (لن تتمكنوا من حيازة سلاح نووي، عدا هذا نستطيع الجلوس والتفاوض) غالقاً باب القنبلة النووية وهو مشروع يثير توجس خيفة اسرائيل العدو التقليدي لإيران ومخاوف جيران ايران الاقليميين كالسعودية ، ولكن ترامب ابقى الباب مشرعا امام الدبلوماسية لتمارس دورها وعبر قنواتها لعقد سلسلة مفاوضات ماراثونية قد تفضي عن صيغة معقولة لإنهاء الازمة ، ولكن وبحسب مراقبين ان هذه الخطوة قد تكون كفيلة بتلطيف الاجواء وقد لا تكون كافية لنزع فتيل الازمة ، وكلا البلدين يدركان تماما ان التوتر الحاصل بينهما هو اشبه بالرقص في حقل مليء بالألغام وفي اكثر المناطق حساسية في العالم، ولو تطورت الاحداث الخطيرة ـ من احتجاز الناقلات واسقاط الطائرات المسيّرة ناهيك عن الحرب الاعلامية الشرسة المتبادلة بينهما والتلويح الايراني المستمر بغلق مضيق هرمز الاستراتيجي او التهديد الامريكي بتوجيه ضربة استباقية قاصمة تمحو اجزاء من ايران ـ الى مواجهة ساخنة ستجعل المنطقة برمتها قاعا صفصفا وستكون الامدادات النفطية في خبر كان .
وعلى غرار الخطوة الدبلوماسية التي وصفت بالاتجاه الصحيح بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية والتي اثمرت عن لقاء قمة “ودية” بين الرئيسين ترامب وكيم وبعد عداء سياسي شرس ، وهذا اللقاء “التاريخي” وان لم يلغ حدة التوتر او العقوبات التي فرضتها الادارة الامريكية على كوريا الشمالية الا انها اعطت هامشا مقبولا للارتياح ، الرئيس روحاني اعطى موافقة هلامية على دعوة الرئيس ترامب الى التفاوض المباشر بين البلدين في انه موافق لاي خطوة ان كانت في صالح الشعب الايراني وهو كلام عائم يحتمل اكثر من تفسير . الا ان القيادة الايرانية استقبلت هذه الدعوة بشيء من التشكيك وعدم الارتياح متحجّجة بعدم وجود مصداقية في الطرح الامريكي وانها لا تثق بها اطلاقا رغم قناعة الاصلاحيين بها وهو تيار كان متحمسا لمعاهدة (5 + 1) التي نجح فيها الرئيس الامريكي السابق أوباما بجعل إيران تتخلى عن اجزاء اساسية من برنامجها النووي وتسمح بعمليات التفتيش الدقيق وحصلت على وعود بتخفيف العقوبات الاقتصادية الخانقة عنها، ولكن لم تفرض اي حدود على قدراتها العسكرية التقليدية، وقد اكتسبت إيران، ولأول مرة، حق تخصيب قدر قليل من اليورانيوم الى مستوى منخفض ، ولكنّه كافٍ لبعض الاستخدامات المدنية، ولكنَّ الأصوليين المتشددين ذوي النزعة الراديكالية والمحسوبين على جيل الثورة الاسلامية التي اطاحت بحكومة الشاه (1979) رفضوا هذه الاتفاقية رفضا قاطعا ، ويبدو ان هنالك داخليا صراعا دائرا بين هاذين التيارين قد يجعل طاقم المفاوضات في حال اجرائها في موقف صعب كما سيكون الاصلاحيون ( الرئيس روحاني اقرب اليهم ) في موقف اكثر احراجا من موقفهم في اثناء عقد مفاوضات (1 + 5) التي لم تكن في مستوى طموح الشعب الايراني حسب رؤية الاصوليين الرافضين لأي اتصال مع امريكا او الغرب ، وفي كل الاحوال لن يكون اي قرار يتخذ من اي جهة الا بإمضاء المرشد الاعلى آية الله خامنئي حصرا .
جميع الدلائل المحلية والاقليمية والعالمية تشير الى انه لا محيص عن خيار الدبلوماسية لكل من واشنطن وطهران والا فان الحرب لن يكون فيها رابح ، ولا يوجد هناك مستحيل، ربما ان الظروف داخل ايران وداخل الولايات المتحدة تفرض حدوث مثل هذا اللقاء من اجل كسر حاجز الجليد الموجود بين البلدين . لاسيما ان شبح حرب الخليج الاولى مازال يقضّ مضاجع الايرانيين الذين دفعوا الثمن الاكثر كلفة فيها ولثماني سنوات ، وان حرب الخليج الثالثة قد حفرت ندوبا مؤلمة في ذاكرة الشعب الامريكي وكلا الشعبين مازالا يئنان من اثار تلك الحروب. المجتمع الدولي يتطلع الى لقاء مرتقب بين روحاني وترامب على غرار لقاء كيم وترامب والجميع يدرك ان من الصعوبة بمكان ان تحل مفاوضات اشكالات عمرها اكثر من اربعة عقود كان شعار (الموت لأمريكا ) من اهم شعاراتها!! .
فهل ستنجح الدبلوماسية في تقريب وجهات النظر بين طرفين مازالا منذ اربعة عقود في خصام
وعداء ؟