خمس نقاط تصادم أدت الى إقالة بولتون

قضايا عربية ودولية 2019/09/11
...

 
ترجمة : انيس الصفار *

في يوم الثلاثاء الماضي أقال الرئيس ترامب «جون آر بولتون»، وهو ثالث مستشار أمن قومي له، بعد أن بلغ التعارض في مواقفهما حيال شؤون أساسية كبرى في السياسة الخارجية حد التصادم. وقد كان آخر هذه المواقف واحدثها هو استئناف خطة السلام مع
الطالبان، هذان الرجلان كانا على خلاف دائم بشأن كيفية التعامل مع تحديات السياسة الخارجية الكبرى التي تواجهها الولايات المتحدة.
 
اذ دأب بولتون، وهو من قدامى صقور الأمن القومي، على تبني بعض وجهات النظر التي تتناقض مع ما يراه ترامب، حيث أن بولتون يحبذ فرض العقوبات والاجراءات العسكرية الاستباقية ضد بعض البلدان حتى عندما يختار الرئيس الاستمرار في خط الدبلوماسية.
في يوم الثلاثاء برز الخلاف بين الرجلين حتى بشأن الظروف التي أدت الى خروج بولتون من منصبه. ففي تغريدة على موقع تويتر بحدود الظهر، وقبل 90 دقيقة فقط من الموعد المحدد لانضمام بولتون الى وزير الخارجية «مايك بومبيو» ووزير الخزانة «ستيفن منوشن» في لقاء مع الصحفيين، كتب ترامب أنه في ليلة الاثنين طلب من بولتون تقديم استقالته، وان بولتون استجاب لذلك وقدمها في صباح يوم الثلاثاء. بيد أن بولتون قال، في رد على سؤال وجهته اليه صحيفة نيويورك تايمز برسالة نصية، أنه هو الذي عرض استقالته على ترامب «في الليلة الماضية من دون ان يطالبه هو بها»، على حد تعبيره، ثم سلمها اليه في 
الصباح.
 
أفغانستان
لقد كان بولتون أقوى الاصوات مؤخراً في معارضة المحادثات من اجل التوصل الى خطة سلام مع طالبان، وهي فكرة يؤيدها ترامب ومثله بومبيو بهدف التمكن من اخراج الجنود الأميركيين من افغانستان بعد حرب هناك دامت 18 سنة. بل ان ترامب ذهب الى حد وضع جدول زمني لإجراء المحادثات في «كامب ديفد» خلال عطلة يوم العمال.
احتج بولتون بأن الولايات المتحدة قادرة على سحب بعض جنودها من افغانستان (وفي هذا وفاء بأحد وعود الرئيس التي قطعها خلال حملته الانتخابية) من دون الحاجة الى إبرام عقد مع اعضاء من الجماعة 
الارهابية.
في نهاية المطاف ألغى ترامب ذلك اللقاء، بيد أن مساعديه المؤيدين لإجراء المحادثات القوا باللوم على بولتون بسبب تسرب اخبار معارضته الى العلن.
 
كوريا الشمالية
يعتقد ترامب أن احد اهم واكبر منجزاته في ميدان السياسة الخارجية الكبرى هو اذابته التوترات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. لقد ردد ترامب مراراً أنه «لا يشعر بالرضا» ازاء اختيار كوريا الشمالية أن تجري اختبارات على أسلحتها في شهر أيار، ولكنه رغم هذا بقي حريصاً على التهوين من أهمية الأمر بالقول: ان تلك الاختبارات لم تبلغ بعد حد القضاء على آماله المتفائلة بقدرة الدولتين على مواصلة المحادثات بشأن العقوبات الأميركية ومساعي تجريد كوريا الشمالية من قدراتها النووية.
أما بولتون فلم يكن يرى مساحة رمادية في الوسط بشأن تلك الاختبارات، وقد أعلن بصراحة أنها تمثل انتهاكاً لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.  عندما اصبح ترامب أول رئيس أميركي يطأ ارض كوريا الشمالية وهو في منصبه، وذلك حين التقى الرئيس الكوري الشمالي «كيم يونغ أون» في شهر حزيران الماضي، ابدى بولتون ردة فعل اتسمت بالغضب حين نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريراً يتحدث عن احتمال التوصل الى اتفاق تقدم الولايات المتحدة بموجبه بعض التنازلات الى كوريا الشمالية مقابل تجميد الأخيرة نشاطاتها النووية. ذلك أن بولتون كان ينادي منذ وقت طويل بضرورة أن تفكك كوريا الشمالية برنامجها النووي بأكمله قبل الحصول على أدنى مكافأة. ولكن كثيرين في الإدارة، ومن بينهم الرئيس نفسه، كانوا مستعدين لدراسة عملية اتفاق تتبنى مبدأ «خطوة فخطوة».
 
إيران
تصاعدت التوترات بين الولايات المتحدة وإيران تصاعداً حاداً، وكان «جون بولتون» يدفع بقوة منذ أمد طويل، بصفته مستشاراً للأمن القومي، باتجاه تغيير النظام في إيران. أحد البدائل المختارة من وجهة نظره تمثل في منظمة «مجاهدي خلق» المنشقة. من قبل توليه منصب مستشار الأمن القومي في ادارة ترامب كان بولتون يرتئي القيام بعمل عسكري ضد إيران. بيد أن ترامب أخذ يركز مؤخراً على المسار الدبلوماسي مع إيران وأعلن رغبته الصريحة في الالتقاء بالرئيس الإيراني حسن روحاني تحت ظروف مواتية. مثل هذا اللقاء، لو حدث، كان سيمثل أول حدث من نوعه منذ أزمة الرهائن في طهران التي ابتدأت في العام 1979 وانتهت في 1981. ثمة قرار سياسي مهم اتفق عليه ترامب وبولتون، وهو قرار انسحاب الولايات المتحدة في أيار 2018 من الصفقة النووية التي أبرمت في عهد أوباما. تصاعدت التوترات بين الدولتين بسبب ذلك القرار وبسبب العقوبات القاسية التي أعادت الولايات المتحدة فرضها على إيران. وفي حزيران من هذا العام رفض الرئيس ترامب خطة قدمها له مستشاروه، وعلى رأسهم بولتون، للانتقام برد عسكري بعد اسقاط إيران طائرة استطلاع أميركية مسيّرة بلا طيّار، متذرعاً بأن مثل ذلك الهجوم لن يعد ردا متناسباً.
 
فنزويلا
بعد إعلان الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها أن حكومة الرئيس «نيكولاس مادورو» المستبدة لا تتمتع بالشرعية، والقوا بثقلهم الى جانب حركة المعارضة التي يقودها «خوان غويدو»، أصيب ترامب بالاحباط حين رأى المساعي لإزاحة مادورو والاطاحة به تخفق في تحقيق نجاح فوري.
من ذلك فهمت إدارة ترامب أن نفوذها في تلك المنطقة أوطأ مما كانت تتوقعه، وقد أفضى هذا الحال بقوات المعارضة التي يدعمها البيت الأبيض الى البقاء في وضع معلق ازاء حكومة مادورو منذ أشهر. أخذ ترامب يعيد النظر ويطرح التساؤلات بشأن ستراتيجية إدارته في تلك المنطقة، في حين واصل بولتون الدفع باتجاه مزيد من الضغوط من جانب الولايات المتحدة، وفي شهر آب صرح قائلاً: «قد حان وقت العمل.»
 
روسيا
حتى وقت قريب، والى الشهر الماضي بالتحديد، كان السيد بولتون يؤكد للأوكرانيين أنهم سوف يتلقون الدعم والمساندة في صراعهم مع الانفصاليين الروس، بيد أن البيت الأبيض لم يقدم من اثباتات سوى القليل تأييداً لذلك الوعد. وفي الايام الأخيرة عطّل البيت الأبيض حزمة من المساعدات العسكرية كانت متجهة الى الحكومة الأوكرانية. وقد صرح ترامب لمساعديه بشكل شخصي أنه يعد الحكومة الأوكرانية حكومة فاسدة. كذلك بقي السيد بولتون يتصدى لروسيا على خلفية تدخلها في الانتخابات، وهو موضوع شائك وبالغ الحساسية بالنسبة للسيد ترامب الذي يرى في طرحه للمناقشة طعناً في شرعيته.      
* إيلين سوليفان/عن صحيفة نيويورك تايمز