استأنفت تركيا والولايات المتحدة الأميركية المحادثات العسكرية بشأن إنشاء المنطقة الآمنة في شمال شرق سوريا / شرق الفرات، عقب تسيير مركز العمليات المشتركة الخاص بتنسيق جهود إنشاء المنطقة الآمنة وإدارتها؛ أول دورية برية لمدرعات وعربات تركية أميركية في ريف مدينة تل أبيض السورية إحدى مناطق وجود التنظيمات المسلحة الكردية المعادية أنقرة.
ويبدو أن نتائج المحادثات والتحركات العسكرية المشتركة لا ترضي أنقرة حيث عاد كبار المسؤولين فيها إلى إصدار مواقف قوية بينها اتهام القوات الأميركية بحماية التنظيمات الكردية، والتهديد بشن عملية عسكرية أحادية الجانب ضد تلك التنظيمات لطردها، وإقامة منطقة آمنة في معاقلها.
محادثات عسكرية جديدة
وقالت وزارة الدفاع التركية، في بيان: إن وفدا عسكريا أميركيا برئاسة الفريق ستيفن تويتي، نائب قائد القوات الأميركية في أوروبا، واللفتنانت جنرال توماس بيرغسون، نائب قائد القوات المركزية الأميركية، أجرى محادثات مع وفد تركي، الثلاثاء، في مقر رئاسة الأركان العامة بالعاصمة أنقرة، مؤكدة أن «الأنشطة مستمرة للمنطقة الآمنة المقرر إنشاؤها في شمال سوريا / شرق الفرات».
وكانت القيادة الأميركية في أوروبا (EUCOM) ذكرت، في بيان، أن أعضاء الوفد العسكري الأميركي «اجتمعوا مع نظرائهم الأتراك هذا الأسبوع لمناقشة الدعم المستقبلي لمركز العمليات المشتركة (CJOC) وغيرها من الأنشطة الرئيسة التي تدعم تقدم آلية الأمن وإدارتها». وتضمّن البيان الأميركي إشارة إلى استمرار العمل مع قوات سوريا الديموقراطية المظلة الأوسع لوحدات حماية الشعب الكردية العدو اللدود لتركيا في سوريا، بوصفه الجناح الآخر لحزب العمال الكردستاني، والهدف الأساسي من إنشاء المنطقة
الآمنة.
وأورد البيان أن «النجاح المستمر للآلية الأمنية سيمنع داعش من الظهور في شمال شرق سوريا، ويسمح للتحالف وشركائنا من قوات سوريا الديموقراطية بأن يظلوا يركزون في هزيمة داعش».
ولعّل مضمون البيان هذا عبر تسميته قوات سوريا الديموقراطية بالشريكة، والاكتفاء بتسيير الدورية العسكرية البرية المشتركة الأولى في عمق 5 كلم، وهو عمق لا يرضي تطلعات أنقرة إلى منطقة آمنة عميقة وممتدة من شرق الفرات وحتى الحدود العراقية، أثارا مواقف قوية لدى المسؤولين
الأتراك.
اتهامات متجددة وتهديدات
وقال مولود جاووش أوغلو، وزير الخارجية التركي: إن واشنطن تعطل تنفيذ اتفاق إنشاء المنطقة الآمنة. وتابع «لم تف الولايات المتحدة بوعدها في شمال سوريا، بما في ذلك خارطة طريق منبج، بسبب ارتباطها بمنظمة وحدات الحماية / حزب العمال الإرهابية. نعم هناك بعض الدوريات المشتركة، ولكن بخلاف ذلك، فإن الخطوات التي اتخذت أو قيل إنها اتخذت تجميلية». وأردف «نحن نتحدث عمّا يسمى الحليف الذي لا يستطيع أن يتصرف بشكل مستقل عن منظمة إرهابية».
واتهم الوزير التركي الولايات المتحدة بأنها تزيد من تعاملها مع التنظيمات الكردية، وتهدف إلى «توفير منطقة آمنة لهؤلاءالإرهابيين».
مكررا التهديد بأن تركيا ستدخل بشكل منفرد في المنطقة، إذا لم يؤدِ الاتفاق مع الولايات المتحدة إلى نتائج.
ولم تظهر المواقف التركية القوية في أثناء استقبال الوفد العسكري الأميركي في أنقرة فقط، بل عند استقبال الوفد الاقتصادي برئاسة ويلبر روس، وزير التجارة الأميركي، أيضا.
توقعات وثقة هشة
وقال الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في كلمة استقبال وزير التجارة الأميركي، الثلاثاء: إن «ما نتوقعه من الولايات المتحدة وقوفها إلى جانب جهودنا في مكافحة الإرهاب، وتشكيل مناطق آمنة تتيح عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم»، مضيفا «يجب حل قضية المنطقة الآمنة بأسرع وقت، وحلها سيسهل مكافحتنا للتنظيمات الإرهابية، وتجاوز مشكلة الهجرة غير النظامية».
وناقش اجتماع الحكومة التركية برئاسة إردوغان، مساء الثلاثاء، القرارات الممكن اتخاذها إزاء إنشاء المنطقة الآمنة.
وقال إبراهيم كالن، المتحدث باسم الرئاسة التركية، في مؤتمر صحفي عقب اجتماع الحكومة في أنقرة: «إذا تحولت مسألة المنطقة الآمنة إلى تشكيل منطقة آمنة أخرى للمنظمة الإرهابية أسفل الحدود بـ 10 أو 20 أو 30 كم، وإذا ساورتنا أي شكوك بهذا الخصوص، فإن الجمهورية التركية لديها القدرة على تشكيل المنطقة الآمنة فعليا».
وتستمر حالة عدم ثقة الأتراك بالأميركان.
وأفاد كالن «لا يمكننا التأكد من تحول المنطقة إلى مكان آمن تماما بناء على معلومات الأميركيين، ويتعين علينا التأكد عبر مصادرنا».
تعليق على التطورات
ورأى مرتضى الخطيب، الباحث المتخصص في الشؤون التركية، أن «المسافة لا تزال بعيدة بين ما تريده أنقرة، وما تريده واشنطن من المنطقة الآمنة في سوريا، من حيث عمق المنطقة، ووجود التنظيمات الكردية فيها، وهذا التباعد هو الذي يثير غضب المسؤولين الأتراك ويدفعهم إلى التحذير من أي مماطلة، والتهديد بتنفيذ عملية عسكرية أحادية الجانب لطرد التنظيمات الكردية من شرق الفرات، وبدء أعمال إنشاء منطقة آمنة هناك».
وحذر خبراء في مركز سيتا للدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المقرب من الحكومة التركية، في حلقة نقاشية عقدت مؤخرا في أنقرة، من أن فشل أي عملية عسكرية تركية أحادية، في مرحلة تفتقر للتقارب المطلوب داخل سوريا مع كل من الولايات المتحدة وروسيا؛ من شأنه إضعاف قوة تركيا في المنطقة، ومواجهة عقبات اقتصادية.
وعلق الخطيب، في حديث مع «الصباح» على هذا التحذير، بأن «تركيا سبق واختبرت العقوبات الاقتصادية مع كل من واشنطن وموسكو، فتراجعت الليرة إلى مستويات اقتصادية أمام العملات الصعبة، وارتفعت الأسعار، وزاد التضخم، كما اختبرت العقوبات العسكرية، وآخرها تعليق مشاركتها في مشروع إنتاج طائرات الشبح المقاتلة إف - 35».
ورأى الخطيب أن «أي قرار تركي ربما يؤجل اتخاذه إلى ما بعد المحادثات المرتقبة بين إردوغان وترامب، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك المقرر انعقادها بين 21 و25 من الشهر الحالي».