الخيط المقدّس

اسرة ومجتمع 2019/09/13
...

حسين الصدر 
- 1 -
يمكننا أنْ نُطلقَ على الدعاء وَصْفَ الخيط المقدّس، وكيف لا يكون كذلك وهو يربطُ الأرضَ بالسماء، ويصلُ المخلوق بالخالق؟
 - 2 -
الدعاء استجابة لنداء الله الذي دعانا إليه، وتكفل بالإجابة.
قال تعالى:
(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)
البقرة /186
والسؤال الآن:
أتراهُ يدعونا للدعاء ثم يَرُدُّنا عن بابه؟
وقال تعالى أيضاً:
(إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)
غافر /60
والدعاء، من أوضح صور العبادة
وقال سبحانه:
(ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً)
الأعراف/ 55 
- 3 -
إ نَّ الدعاء هو البوابة الكبرى التي نَلِجُ منها للتنفيس عن المتراكم من همومنا الثقيلة، والتحديات الحياتيَّة التي تواجهنا في شتى المجالات، لا حاجة لنا فيه الى وسيط..، وليس ثمة من شروط..
فما أيسر الرحلة الى رحاب ملكوت الله، وما أعظم بركاتها وآثارها.
- 4 -
وما جاء في الحديث عن النبي (ص) وآله الأطهار (ع) في باب الدعاء فهو السيل المتدفق..
روي عنه (ص) انه قال:
(لم يهلك مع الدعاء أحد..
وأسألوا الله من فضله فإنه يحب أنْ يُسأل) 
وأوصى أمير المؤمنين (ع) ولده الإمام الحسين (ع) فقال:
(واعلم أنّ الذي بيده خزائن السموات والأرض قد أذن لك في الدعاء وتكفّل لك بالإجابة وَاَمَرَكَ أنْ تسأله ليُعطيك وتسترحمه ليرحمَكَ) 
 - 5 -
وتعميقاً للنزعة الإنسانيَّة، وإطفاءً لنار الأنانيَّة والتقوقع في شرنقة الذات جاءت التوجيهات النبويَّة الشريفة، أنْ نبدأ الدعاء بالبسملة حيث روي عنه (ص) أنه قال:
{لا يُردُ دعاءٌ أوله بسم الله الرحمن الرحيم} 
والمهم للغاية ألا تنسى قوله (ص)
{من قدّم أربعين رجلاً مِنْ إخوانه قبل أنْ يدعو لنفسه استُجيب له فيهم وفي نفسه} 
وهكذا يُسهم الدعاء في تقويم الشخصية الإنسانية، وتهذيبها وتوسيع آفاقها، وإمدادها بما يُعينها على الانطلاق في مضامير الإنسانيَّة والمكارم الأخلاقيَّة.
وثمة توجيه مبارك أيضاً من الإمام أمير المؤمنين (ع) القائل:
“إذا كانت لكَ الى الله حاجة فابدْأ بمسألةِ الصلاة على النبي (ص) فسل حاجَتك فإنّ الله أكرم مِنْ أنْ يُسأل حاجتين فيقضي إحداهما ويمنع الأخرى”.
ولاحظ أدعية الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين (علي بن الحسين (ع) فإنَّه يصلي على النبي وآله ثم يذكر حاجته..
وهذا أدب رفيع 
وهو أدنى ما يلزمنا للرسول (ص) الشفيع وآله الأطهار أصحاب الجاه الوسيع.
   - 6  -
تحذير خطير:
وقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال:
{إذا أراد أحدكم أنْ يستجاب له فليطب كَسْبُه، وليخرج من مظالم الناس..}
إنّ تطهير النفس من أدران المال الحرام يعدُّ من الواجبات المهمة، هذا فضلاً عن كونه أمراً مطلوباً لاستجابة الدعاء.
ثم أنّ الداعي إذا كان مُتلبساً بظلم الناس، فإنَّه يكون قد حجب عن نفسه ارتفاع الدعاء الى السماء..!!
 - 7 -
أوقات وحالات 
ومن أهم المواطن التي لا بُدَّ من اغتنامها لاستجابة الدعاء 
الدعاء عند قراءة القرآن، 
وعند الأذان،
وعند نزول الغيث،
وعند دعوة المظلوم فإنَّها ليس لها حجاب دون العرش...
وإِثْر الصلوات الواجبة 
والدعاء بين الصلاتين 
وفي الأسحار، 
وبين الاذان والاقامة،
الى تفصيلات أخرى تذكرها كتب الحديث والأخلاق والدعاء.
كما أنَّ هناك أمكنةً معيّنة لها أهميتها الخاصة منها هو بمكة المكرّمة:
عند الميزاب،
-مقام ابراهيم –
والحجر الأسود،
وبين المقام والباب،
وعلى الصفا والمروة ...
ومنها الحائر الحسيني في كربلاء
وهناك أيام وليالٍ عظيمة اعتبرت مواسمَ للدعاء 
منها يوم عرفة 
وليلة النصف من شعبان 
وليلة القدر من شهر رمضان 
وتؤكد الروايات الواردة عن الإمام الصادق (ع):
إنَّ الدعاء بِظَهْرِ الغيب لأخيك يسوق لك الرزق.
ويصرف عنك البلاء 
ويُكتب لك مِثْلُ ما سألتَ لأخيك...
سفينة البحار /ج3/ص55
- 8 -
وجاء في الحديث الشريف:
{إنّ الله يُحبُّ السائلَ اللحوح}
المصدر السابق ص 57 
إنَّ من أَدْمَنَ قرعَ البابِ أوشكَ أنْ يلج.. فلا تستكثرْ على نفسك ما تدعو به في بعض الأحايين.
 - 9 -
وروي عن امير المؤمنين (ع) انه قال:
{تقدّموا بالدعاء قبل نزول البلاء} 
فلا يكونن الدعاء عندك محصوراً بوقت الشدّة والأزمة...
أكثر من الدعاء في كل حالاتك فهو مفتاح الفلاح.
نسأله تعالى أنْ يوفقنا وإياكم الى الطاعات وصالح الأعمال، وأنْ يحفظ العراق وأهله انه سميع الدعاء قريب مجيب.