من أقذر الجرائم المتفشية في دوائر الدولة تعاطي الرشوة من قبل بعض الموظفين مقابل إنجاز معاملات المواطنين ويبدو أن بعض المواطنين الراشين هم من يسهمون في تشجيع الموظفين المرتشين على ارتكاب هذه الجريمة التي نص عليها قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 رقم 111 في المواد من 307 الى 314 ، حيث نصت المادة 307 على عقوبة الجاني وهي السجن لمدة لا تزيد على عشر سنين أو الحبس مع غرامة مالية .
في الواقع نحن إزاء جريمة يشترك فيها طرفان الموظف والمواطن ، فالموظف يبرر جريمته ويضفي عليها المشروعية بداعي عدم كفاية مرتبه الشهري والمواطن يبرر ذلك بداعي تعطيل معاملته ، وهذه سلوكية غريبة لا تزال متفشية في وزارات الدولة ودوائرها ومن الصعب الكشف عنها .
والأغرب من ذلك أن اقتراف هذه الجريمة بهذه الطريقة وعبر التواطؤ بين الراشي والمرتشي من الصعب الكشف عنها من قبل السلطات المختصة ، فيمكن اعتبارها من جرائم الصندوق الأسود التي يصعب أن تصل إليها يد التحقيق الجزائي .
فالموظف المرتشي والمواطن الراشي يسهمان معا في انتشار هذه الجريمة .
أتذكر أن صديقا لي أخبرني أنه أراد اختبار إحدى الموظفات في أحد المستشفيات فعرض عليها الرشوة فغضبت ووبخته بشدة قائلة له “ لماذا تسهمون أنتم المواطنون في التشجيع على ارتكاب جريمة الرشوة في الوقت الذي تحملون موظفي الدولة المرتشين مسؤولية هذه الجريمة ؟ ولماذا لا تسهمون في محاربة الفساد وتتعاونون في القضاء عليه ؟ فلو امتنع كل مواطن من أمثالكم عن الامتثال للموظفين الفاسدين المرتشين ولم يخضع لطلباتهم غير المشروعة فسوف يغلق باب من أبواب الفساد “
أتذكر أنني روجت معاملة في إحدى الدوائر فرأيت أحد المواطنين يضع مبلغا من النقود في إضبارة معاملته فوبخته قائلا له “ لماذا تشجعون على هذه الجريمة ؟ حضرتك تحرص على مصلحتك الخاصة وتشجع على الفساد وفي نفس الوقت تحتج على الفساد فيالك من مواطن فاسد .
وفي احدى المرات وبخت موظفة في مستشفى اهلي طلبت الرشوة مني فقلت لها “ ألا تتقاضين مرتبا من المستشفى فلماذا هذا الطمع والجشع ؟ ألا تشعرين بالمسؤولية تجاه المواطنين ؟ “
للأسف الشديد لا تزال منظومة الفساد الإداري تعمل بقوة وفي الخفاء وبعيدا عن الرقيب ، لذلك من اهم سبل تفكيك هذه المنظومة نشر الوعي بين المواطنين وتحشيد جهودهم لقطع دابر المرتشين والتشدد معهم وإنزال العقوبات القانونية من قبل القضاء بحقهم .
ومن أهم الخطوات التي من الممكن أن يتخذها المواطن الشريف هي الإيقاع بالموظفين المرتشين والتبليغ عنهم لإيقافهم عند حدهم ، وإلا ستظل عجلة الفساد تدور ولا تبرح .
من الملفت للنظر أن بعض المواطنين وبعض الموظفين يحتجون على الفساد وهم في نفس الوقت جزء لا يتجزأ منه ، فكيف يمكن القضاء على الفساد إذا كانت هذه السلوكية الازدواجية هي المنتشرة ؟
من هنا ينبغي على كل مواطن شريف وموظف نزيه التعاون لقطع جذور هذه الجريمة لأنها نخرت جسم مؤسسات الدولة ، فلقد تسببت هذه الجريمة في تضييع حقوق المواطنين وهدرها ، ومن الواجب على الحكومة مراقبة هذه الظاهرة وتطويقها وتقديم الجناة إلى العدالة لينالوا الجزاء القانوني المناسب ، فبدون الزجر ستظل هذه الجريمة منتعشة ، حينئذ لا رادع لمن يفكر في سلوك هذا الطريق غير المشروع سواء كان مواطنا ام موظفا .