كالابورا .. الراهبة التي منعت من قيادة السيارة

اسرة ومجتمع 2019/09/14
...

بالابي مونسي
ترجمة: بهاء سلمان
مع كلّ مرة تحاول فيها الراهبة “لوسي كالابورا” تشغيل سيارتها السوزوكي، تطلق صرخة ذعر تجعلها تتوقف؛ ويعلو محياها ابتسامة ساخرة مع سحبها لمفتاح التشغيل من موقعه، ونزولها من مقعد السائق: “عند التفكير بأن السيارة لم تتخلَّ عنّي حينما كان عليَّ خوض الجهاد الأشرس في حياتي بسببها، سيكون هذا أمرا غريبا، صحيح؟” هكذا تسخر الراهبة ذات الـ 53 عاما من أبرشية الفرانشيسكان الكلاريست التابعة للكنيسة الكاثوليكية في ولاية كيرالا الهندية.
وبعد سنة من بروز اسمها كإحدى الراهبات الرئيسيات المطالبات باعتقال الأسقف “فرانكو مالوكال”، المتهم باغتصاب إحدى الراهبات من احدى كنائس منطقة البنجاب، تم منعها من قبل أبرشيتها من “تعلّم قيادة السيارة واقتراض المال لشراء سيارة ونشر مجموعة قصائد شعرية،” وفقا لرسالة بعثت اليها. وأتت الموافقة على المنع من الكاردينال ليوناردو ساندري، حاكم أبرشية الكنائس الشرقية، التابعة للفاتيكان، والمطران جيامباتسيتا ديكواترو، ممثل الفاتيكان في نيودلهي.
بيد أن كالابورا البشوشة، التي تمتلك ابتسامة لا تفارق وجهها مطلقا، ليست من النوع الذي يستسلم بسهولة أبدا، لا على سيارتها، أو كما تزعم تلقيها لـ “ظلم بنسبة مئة بالمئة”. وبولادتها لعائلة كاثوليكية في منطقة كاسارغود بولاية كيرالا، بدأت كالابورا التدريب لتكون راهبة بعمر المراهقة بسبب رغبة والدتها في ذلك، لتختار أبرشية مانانثافادي، حسب قولها: “لأنني لاحظت المزيد من الفقر في المنطقة وأردت مساعدة الناس.”
سبب قطع علاقة كالابورا مع الكنيسة هو مولاكال، الذي كان آنذاك مطران جالاندهار في اقليم البنجاب، والذي اعتقلته شرطة كيرالا شهر أيلول 2018 بدعوى اغتصابه لراهبة مرارا بين سنتي 2014 و2016 في الولاية نفسها؛ وخرج مولاكال بكفالة، والقضية قيد الإجراء. وقبل مدة قصيرة قبل اعتقاله، قامت الكنيسة الكاثوليكية بإعفائه من مسؤولياته الكهنوتية، بناء على طلبه، لكنه ما يزال مع أبرشية جالاندهار، ولديه الكثير من السلطة.
وفي شهر كانون الأول الماضي، تلقت كالابورا رسالة من الكنيسة تسألها عن سبب انتقادها العلني لمولاكال وبثها لرأيها عبر وسائط نشر “غير مسيحيّة”، ليتم طردها بعد تبريرها لتصرفاتها: “انه قرار مبني على أساس التفرقة بين الجنسين، فالكنيسة الكاثوليكية ما تزال تعيش أجواء القرن السادس عشر، العالم الذكوري الهيمنة. لقد طردت على أساس تلك المزاعم التافهة، وبقي مولاكال جزءا من أبرشيته. هذا غير منصف،” تقول كالابورا، التي ترفض تسمية غريمها بـ “المطران” لأنّ اللقب لا يليق 
به.
 
رفض وإصرار
وعندما طلب رئيس الدير من والدة كالابورا، ذات الـ 84 سنة، القدوم لأخذ ابنتها وحاجياتها والخروج من المكان، رفضت الراهبة فعل ذلك، ليتم تحييدها داخل الدير من قبل راهبات أعلى مقاما، بحسب تقرير الشرطة الذي قدمته كالابورا. بعد ذلك بوقت قصير، نشر الأب نوبل باراكال وخمسة راهبات من الأبرشية لقطات لدائرة تلفزيونية مغلقة تظهر دخول كالابورا مع رجلين للدير لإظهار “عصيانها” للعالم، بينما كالابورا أشارت الى كون الرجلين صحفيين كانا يسألان عن حالة طردها.
وتجاهد كالابورا لإثبات حقها في المحاكم، حسبما تقول، لتمهيد الطريق أمام الراهبات الأخريات للتعبير عن رأيهن بشكل علني. 
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تتحدى فيها كالابورا الكنيسة، فقبل عدة سنوات، تم “نبذها” لطلبها ارتداء ملابس حديثة الطراز بدلا من الرداء الكنسي المعتاد، ذاكرة أسباب صحية أساسها طقس كيرالا الحار والقاسي: “حتى طلابي في المدارس المتوسطة فهموا السبب، لكن الكنيسة لم تفعل،” تقول كالابورا، التي تواصل تعليمها لمادة الرياضيات منذ 23 سنة في مدرسة حكومية تدعمها 
الأبرشية.
حاليا، وبدلا من الرداء الكنسي، ترتدي الزي الهندي النسوي باللونين الأبيض والأسود. تقول كالابورا ضاحكة: “هل طردوني، كلا.” وصارت هذه الراهبة تمثل قضية، حيث تجمهر حشد كبير في كيرالا لدعمها يوم 29 آب 
الماضي. 
وعمل جون أنجي، مدير مدرسة متقاعد في الثمانينيات من عمره، وعضو الرابطة الكاثوليكية في كيرالا، عمل على تأطير كل حركة تقوم بها كالابورا قانونيا، وهي تطلق عليه تسمية “الأخ” باعتزاز. يقول انجي: “بخلاف ما يحصل في أوروبا، الأبرشيات هنا ليست متحررة من براثن الرهبان المتسلطين، الذين يصوغون ما يحلو لهم من أحكام يريدون فرضها؛ ولا يسمح لأي أحد بمساءلتهم، والمفترض بكل فرد أداء الصلاة ودفع المال والطاعة!”
 
قوانين معطلة
هذا الحال بالامكان تغييره اذا ما تم في النهاية تفعيل قانون صدر سنة 2009 ينظم أوضاع الديانة المسيحية في ولاية كيرالا، إذ يقول انجي إنه سيرغم الكنيسة الكاثوليكية على التكيّف مع قوانين كيرالا، ويطرح هنا تساؤلا: “إذا كان الهندوس والسيخ والمسلمون جميعا لديهم صياغات لقوانين دينية تفرضها الولايات، فلماذا لسنا مثلهم؟”
أما البروفيسور بايوس مالكانداثيل من مركز الدراسات التاريخية في جامعة جواهر لال نهرو في نيودلهي، الكاثوليكي المعتقد، فهو لا يتفق مع هذا الرأي، مشيرا الى أن أحكام الأبرشيات تطبق بشكل متسق. وبالنسبة لحالة كالابورا، يعترف الأستاذ الجامعي بعدم متابعته لها بشكل وثيق، ومع ذلك، فإنه يرى أن قضية طردها لا علاقة لها بقضية الاغتصاب، لأنّها كانت واحدة من عدة راهبات حضرن مسيرة الاحتجاج، ولم يتم طرد الأخريات: “لقد تم تحذيرها عدة مرات بعدم خرق أحكام الأبرشية، لكن، ومما سمعت، فهي لم تصغِ لتلك المطالبات،” ويزعم بالسماح للراهبات بقيادة السيارة في عموم الهند؛ وهذا الأمر لم تعلّق عليه الابرشية رغم الطلبات المتكررة من قبلنا. يقول مالكانداثيل: “حسب ظني، تكمن المشكلة الرئيسية في شراء كالابورا لسيارة، إذ لا يوجد مجال لوجود ثروة شخصية في مكان 
ديني.”
وبالعودة الى الطريق، وعلى منحدر قريب من كنيسة تابعة لأبرشيتها، تحدّق كالابورا بالندى المنتشر مع تواصل ضحكتها بالارتفاع: “يعلمنا القدير الحب، والعمل على نشر التبشير، فهل لكم أن تخبروني أين أخفقت في هذه المواضع، كي أتنحى جانبا بكل هدوء. لكن كلا، لن أدع الكراهية والحسد تتغلّب حتى لو تعرّضت للقتل”.
 
 
                                 مجلة اوزي الأميركية