تجربة ما يزيد على خمسة عشر عاما منذ التغيير عام 2003، اثبتت أن الاخفاقات المتصلة بمواضيع المحاصصة، وما يرتبط بها من محسوبيات وفساد وإقصاء للكفاءات وشلل في النظام الاداري، لها جذر قوي بصيغة الديمقراطية البرلمانية التي أقرها وأسس لها الدستور العراقي عام
2005.
فمما اتضح على امتداد هذه الاعوام العديدة، ان ما كان يؤمل أن يكون توافقا ومشاركة، تحول بسبب المصالح الضيقة للاحزاب والجماعات الى محاصصة عقيمة، عقيمة لعموم الشعب بالرغم من انها “مثمرة” ماليا وسياسيا للمنخرطين فيها. هذا التحول ارتبط بالتركيبة السياسية الاجتماعية أصلا للمجتمع العراقي وقواه، وبتراكمات المرحلة الدكتاتورية الطويلة المؤلمة بما في ذلك تعميم اخلاقيات الفساد على نطاق واسع، وبالتدخلات الاقليمية والدولية العديدة التي وجدت في العراق المكان الملائم لتصفية حساباتها كما حدث مرارا عبر التأريخ.
وهو ما يفتح السؤال مجددا عن الحاجة الى التحول الى النظام الرئاسي، بالرغم من ان القوى المشاركة والمتنفذة في الحكومة والدولة ستعترض على ذلك كما هو متوقع، لأنه سيحصر الصلاحيات في نقطة مركزية واحدة (مع انها منتخبة ديمقراطيا). وتعزيز صلاحيات من هذا النوع أمر مثمر لعموم الناس، لأنه يتيح قدرة اكبر لرأس الهرم السياسي في البلاد على التصرف واتخاذ القرار، وبالتالي يمكن مساءلته هو بالتحديد أيضا من دون الدورة العقيمة التي تتكرر كل مرة بالقاء المسؤوليات بين المتحاصصين على بعضهم
بعضا.
ولكن هذا يعني أيضا، بالنسبة الى الجهات والاحزاب والكتل المتنفذة، التخلي عن الكثير من مكاسبها ومصالحها الخاصة، لا لشيء، إلا لاجل الصالح العام، وهو ما لم يبدُ أمرا فاعلا او مهما لها في الممارسة السياسية على امتداد الاعوام
الماضية.
ولكن اذا كان تعديل دستوري جذري من هذا النوع أمرا بعيد الاحتمال للاسباب المذكروة، فما الذي يمكن أن تؤول اليه أحوال البلاد بعد أن سئم الناس الانتظار والصبر والوعود بنهوض اقتصادي معيشي لم يتحقق؟
لو كانت بلادنا في منطقة آمنة او اقليم مستقر سياسيا وأمنيا ولو نسبيا، لكان من الممكن حل هذه الإشكاليات بسهولة أكبر بكثير. فالمتغيرات والتطورات والتهديدات المستمرة التي تتعاقب في المنطقة وما يمكن أن يترتب عليها من عواقب لبلادنا، عنصر مهم في التأجيل المزمن للحلول الجذرية. فكثير من الاهتمام والجهد يذهب الى حسابات وتوازنات الأوضاع الاقليمية المفتوحة على العديد من السيناريوهات بما في ذلك سيناريوهات الانفجار والحرب والمواجهة العسكرية.
ولكن لو كانت الإرادة السياسية والاخلاقية والوطنية لكل القوى المتحاصصة في المشهد العراقي أعلى، لأمكن حل كل هذه المشاكل الجذرية أو معضمها على الأقل بشكل أكثر نجاعة بكثير ومنذ وقت طويل أيضا. ولكن حيث أن المشهد يعيد انتاج نفسه في دورة وتكرار عقيم تقريبا، فإن لحظات ازمات جديدة اخرى متوقعة بين الناس الذين ظلوا يطالبون بتغيير حقيقي في اوضاعهم، ودائرة المحاصصة المغلقة التي تأبى على الانفتاح.