التلويح الاعلامي المتصاعد هذه الايام بامكانية اجراء تعديل وزاري للحكومة الحالية يتضمن اقالة بعض الوزراء من قبل الكتل التي تبنت ترشيحهم يمثل خطوة متسرعة وربما ستفتح الباب نحو اقالة الحكومة باكملها لاحقا,خصوصا وان الحكومة الحالية لم يمض على تشكيلها اقل من عام واحد وهي فترة ليست كافية يمكن من خلالها الحكم على اداء الكابينة الوزارية اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار حجم المشاكل والملفات المعقدة والمتراكمة منذ سنوات عديدة ،التي وقعت اعباؤها على كاهل الكابينة الوزارية الحالية والامر سيكون اشبه باقالة مدرب لفريق لكرة القدم لمجرد ان ناديه قد خسر المباراة الاولى في
الدوري .
صحيح ان هناك تلكؤاً حكوميا واضحا في مجال قطاع الخدمات وان بعض ملفات الازمات لا تزال مفتوحة من دون ان تكون هناك نهاية واضحة لها ,لكن منح السيد رئيس الحكومة وفريقه مزيدا من الوقت يمثل الحل المناسب والخطوة الصحيحة لكي نضمن على الاقل ان يكون هناك وقت كاف ليقوم الوزراء بمهامهم ويسارعوا الى تحسين اداء المؤسسات التابعة لهم وتلافي ما يحدث الان من ازمات.
العراق بحاجة الى نهوض اقتصادي ومعالجة حقيقية وجادة لواقعه الاقتصادي الذي لا يزال يعتمد فقط على ايرادات النفط من دون ان يكون هناك تغيير في هذا النمط والعمل على تنويع الموارد عبر تطوير قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة وغيرها والتحول باتجاه التصدير وجذب الاستثمارات بدلا من سياسة الانفاق الحكومي المتصاعد التي تبتلع كافة الموارد المالية الناتجة عن مبيعات النفط وعدم توفر فائض مالي يمكن استخدامه في انشاء صندوق سيادي للدولة ويقلل من نسبة الدين العام ,خصوصا وان العراق مدين للكثير من المؤسسات النقدية الاجنبية بمبالغ كبيرة .
اعادة النظر بالوضع الاقتصادي الحالي والعمل على تطويره مع توفير البيئات والمناخات المساعدة على تطويره يجب ان يكون الاولوية والاستحقاق الاهم خلال السنوات القادمة ,حيث ان اسعار البترول العالمية ما زالت تراوح عند حاجز الـ60 دولارا ,اضافة الى ما يواجهه الاقتصاد العالمي من ركود وتضخم وحروب تجارية تقودها الولايات المتحدة ضد باقي دول العالم مما يهدد بانكماش هذه الاقتصاديات وتراجعها مما سيؤثر مستقبلا في امكانيات هذه الدول في شراء البترول مما سيهدد بخفض اسعاره وهو امر سيتاثر به العراق بشكل
كبير.
خفض الانفاق الحكومي وتنويع مصادر الدخل مسائل يجب ان تراعيها الحكومة الان مع تنشيط القطاع الخاص لكي ياخذ دوره في تطوير الاقتصاد ومنافسة القطاع الحكومي في جذب الايدي العاملة والتوظيف من اجل تخفيف الضغط على القطاع الحكومي الذي يعاني من ضغط هائل بسبب تدفق اكثر من ربع مليون شاب عراقي سنويا من الخريجين الباحثين عن فرص العمل وسط تضاؤل فرص العمل في السوق المحلية مما يجعلهم يتجهون صوب القطاع الحكومي للحصول على الوظائف التي باتت شحيحة جدا بسبب ترهل هذا القطاع الذي يعاني من تضخم كبير في اعداد الموظفين العاملين
فيه .
المطالبة بالتعديل الوزاري من قبل الكتل سيكون امرا معقدا ومطولا ,حيث سيتطلب اولا موافقة رئيس الوزراء ومن ثم اجراء التصويت على اقالة هؤلاء الوزراء من قبل مجلس النواب ومن ثم طرح الاسماء البديلة لنيل الثقة من البرلمان وهذه العملية بالتاكيد ستاخذ وقتا اكثر وجدالا ونقاشات وتقاطعات وربما مساومات ستكون على حساب الكابينة الوزارية
واكتمالها .
ما نريده خلال الفترة المقبلة من السيد رئيس الوزراء ان يعمل على تطوير الاقتصاد العراقي وتنويع موارده من خلال تطوير القطاعات المؤهلة لجلب الموارد وتقليل معدلات الانفاق الضخمة والاهتمام بالجانب الخدمي الذي بات يشكل عبئا على المواطن العراقي ,خصوصا في مجالات الاسكان والكهرباء ,اضافة الى المحاربة الجادة للفساد وفتح ملفات جميع المتورطين فيه واسترداد الاموال المنهوبة واعادتها للخزينة واقامة المشاريع الخدمية بهذه الاموال المسروقة وتشكيل فريق عمل حكومي معاون له بضم خبراء كفوئين في الاقتصاد وان يقوم بوضع اجندة برامج لكل وزارة يتم محاسبة الوزراء المقصرين من قبله شخصيا في حالة التلكؤ في تنفيذ هذه الاجندة .
ان العراق يمر بوضع اقتصادي صعب يعتمد على واردات النفط فقط في حين تراجعت العديد من القطاعات الاقتصادية التي كانت متطورة في الماضي والتي تحتاج الى وقت واموال قبل ان تستعيد مكانتها البارزة في الاقتصاد ,اضافة الى تاسيس صندوق سيادي يتم توظيف الاموال فيه لتكون سندا للدولة العراقية وذخرا للاجيال القادمة وعونا للاقتصاد .
ان ممارسة الكتل السياسية لدورها الرقابي في البرلمان وترك امر الكابينة الوزارية للسيد رئيس الوزراء امر سيجعل من الاداء الحكومي اكثر فاعلية وان التدخل في عمل الرئيس باقالة مرشحيها من الوزراء سيفاقم الامر وسيهدر الكثير من الوقت وسيشتت الجهود لجعل الحكومة اكثر تركيزا في عملها ,فضلا عن انه سيشكل سابقة من الممكن ان تتكرر في كل مرة مما سيجعل الحكومة والبلاد في دوامة لا تنتهي من المشاكل والازمات وعلى حساب الاستحقاقات المهمة
الاخرى.