في عام 1958 وبعد قيام ثورة 14 تموز ، تم تحطيم تمثال الجنرال البريطاني “ مود” في منطقة الشواكة عل يد المواطنين الثائرين ، ومعه التمثال الذي نحته الايطالي بياترو كانونيكا للملك فيصل الأول ، وهو نفس الفنان الذي عمل تمثال رئيس وزراء العراق في العهد الملكي “ عبد المحسن السعدون” عام 1933 وايضا تعرض للسرقة بعد احداث 2003 واعادت عائلته عمل تمثال له ليتوسط ساحة النصر مجددا.
ما بين تلك البدايات وما تلاها من سنوات ، ظهرت اعمال نحتية مميزة لتزين ساحات بغداد ومنها ما ترسخ في الذاكرة البغدادية وخاصة نصب الجندي المجهول الذي تم تنفيذه من قبل ثلاثة مهندسين ( عبد الله احسان كامل ،رفعت الجادرجي ،احسان شيرزاد) وتمت ازالته ايضا ثم توالت الاعمال المبدعة لينتصب عام 1961 نصب الحرية للفنان الراحل جواد سليم وتمثال الام للفنان الراحل خالد الرحال ..وبرز بعدها نصب ثورة 14 تموز عام 1963 للفنان ميران السعدي ونصب النسور عام 1969 ولا ننسى “ شهريار وشهرزاد” وتمثال معروف الرصافي وعبد المحسن الكاظمي وكهرمانة والفارس العربي والواسطي والمتنبي ونصب الشهيد وتمثال العدالة في شارع حيفا والقائمة تطول ولا تقصر لنصل الى نصب “ الباذنجان” والاحصنة والمسيرة والنافورة المشوهة والطماطة والخيار .. التي تتوسط ساحات المحافظات وابتداع طرق للزحف الى العاصمة ومؤسساتها الادبية والثقافية وصولا الى تمثال الجواهري المشوه في باحة اتحاد ادباء العراق ليكون شاهدا على مستوى تدني الذائقة الفنية النحتية رغم ان حضارة العراق تشير الى ظهور النحت في الألف الخامس قبل الميلاد ، ولنا في منحوتات اثار بابل وسومر واكد، ما يؤكد أهمية النحات العراقي في كل الحقب الزمنية.
وبالرغم من نشاط جمعية التشكيليين العراقيين بإقامة معرضها السنوي الذي يضم اعمالا مميزة وهو ما حصل في المعرض المقام مؤخرا وبمشاركة واسعة لفنانين رواد وشباب ، وبأعمال مستوحاة من تراث وحضارة العراق بكل ثرائها المعرفي والفكري ، الا ان الواقع التطبيقي يقول ان ما نراه في المعارض الخاصة لا نجده في الامكنة العامة, وبقيت النصب النحتية المنفذة في عقود مضت هي الوحيدة المميزة في تواجدها البصري الذي يعيد انتاج الشعبي والادبي والتراثي والتاريخي بأسلوب وتصميم ابداعي مميز يحسب للفنان العراقي الذي استطاع ان يكسر المحلية الى العالمية واعتبرت اعماله اضافة حقيقية للنحت .
معرض مميز بأعماله المنفذة والمطلوب الاستفادة الحقيقية من هذه النماذج لتنفيذها في بغداد والمحافظات وازالة النصب المشوهة التي وجدت لها موطئ قدم في امكنة بلد عريق بمبدعيه مثل العراق، واعادة العمل باللجنة المتخصصة التي كانت تشرف على اجازة النصب النحتية والتماثيل في العاصمة والمحافظات وحافظت على مفهوم الجمالية والابداع في اغلب الاعمال المنفذة ، ولم تساوم أو تتهاون في قبول اعمال تؤسس للتلوث البصري والفني والجمالي والذوقي ، وهو ما يجب الحرص على عدم تواجده لنعيد البهاء لتأثيث امكنة العراق بالجمال والابداع اينما تواجد فيها .