عوامل الاقتصاد في إشعال الحروب

آراء 2019/09/17
...

د. سعد العبيدي
 
تعددت التفسيرات التي تؤشر عوامل دفع الدول الى الحروب، ومع هذا بقيَّ الاقتصاد هو العامل الأكثر تأثيراً في إشعالها عبر العصور، ولنا في هذا مثلاً قريباً هو الحرب العراقية الكويتية، التي أجمل الباحثون، والمفكرون أسباباً لها كان للاقتصاد وعوامل الشخصية الحصّة الأكبر في تفاعلات أنتجت فعل الحرب، وبصددها يرون أن العراق قد دخل حرب الخليج الأولى مع إيران يمتلك اقتصاداً مـعقولاً بالمعايير الإقليمية، وقياساتها التقليدية، وفائضا نقديا أكثر من جيد مكدّس في المصارف الأجنبية، وخرج منها بحالة متردية قوامها ديون خارجية، وتضخّم تجاوزت نسبته قدرة الاقتصاد العراقي على التحمّل والنمو، وتوقف التنمية، وتدني مستوى العيش، وزيادة نسب البطالة، وانخفاض مستوى الإنتاج العام (عدا ما يتعلق بالتصنيع العسكري) كذلك عدم قدرة الحكومة على الإيفاء بالتزاماتها المالية للآلة العسكرية الضخمة، ولأسرى الحرب، والشهداء والجرحى، وإعادة بناء ما دمّرته الحرب في جوانب الحياة المتعددة. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى بقيَّ أكثر من ربع مليون جندي في حالة غير مستقرة بين الاستمرار في خدمة الاحتياط في الجيش، أو العودة إلى مجتمع مدني لم يكن مهيئا لطموحات كانوا ينتظرونها من عيش مستقر اقتصادياً، فكانت حالة أقلقت العراقيين الذين وضعوا في نهاية الحرب أملا للعودة إلى صورة أواخر السبعينات التي اعتادوها رفاهية معقولة لما يقارب الأربع سنوات في جوانب العيش والسكن والسفر، أعطت تصورا للحكومة البعثيّة غير المتوازنة على أن الوضع الاقتصادي يسير من سيئ إلى أسوأ، وبمستوى يهدد مباشرة ديمومتها في البقاء، وعززت إحساسا عند رئيسها الحاكم المطلق أنّه بات وجها لوجه أمام أزمة اقتصادية لم يخبرها من قبل، قد تهز كرسي الحكم الذي يتشبّث به بشدة. وأزاء غياب التخطيط الاقتصادي السليم كان الشعور بالخطر يتعزز في داخله بعد رواج ما صار يعرف بوجود مؤامرة اقتصادية خارجية، خاصة بعد نزول أسعار النفط التي تشكّل وارداته 90 % من دخل العراق بالعملات الصعبة في ظروف حرجة، واستحقاقات مالية بات أصحابها يطالبون تسديدها بشكل معلن، عندها اقتنع صدام بمسؤولية الكويت والإمارات عن ذلك ومعاودة اتهامهما صراحة بإلحاق الأذى المتعمد بالاقتصاد العراقي. من هذا يتبيّن أن الصورة القاتمة للاقتصاد العراقي التي أدركها صدام وأكدتها حكومته، والعجز من احتمالات إصلاحه بالطرق التقليدية، لضعف المدخلات، وكثرة الالتزامات والديون، وصعوبات التسديد من ناحية أخرى ... كانت من بين العوامل ذات الطابع الاقتصادي التي دفعته (وهو في وضع نفسي شكوكي خاص) إلى التفكير ارتجالياً لافتعال أزمة مع الكويت معتقدا أنّها العامل الحاسم لحل مشاكل اقتصاده المعقدة، حتى وجد نفسه بدخول الحرب وتقادم أيامها، وخطأ التعامل معها متورطاً بطريقة أثارت لـه العديد من الأزمات التي تضافرت لإنهاء حكمه بطريقة مأساوية لم يكن يتوقعها يوم كان رئيساً.