هل يمكن للحرب في اليمن أن تتحول الى حربٍ اقليمية؟ وهل أن هجمات ارامكو النفطية ستضع المنطقة عند حافة تلك الحرب؟ وهل ستخلط هذه الحرب بين ملفات النفط والغاز وبين ملفات السياسة.
هذه الأسئلة المفتوحة تضعنا عند احتمالات متعددة، قد تكون المواجهة العسكرية واحدة منها، رغم أن التُهم ضد ايران بوصفها المسؤولة عن تلك الهجمات، والتي تروج لها الولايات المتحددة غير واضحة، وذات حسابات سياسية أكثر منها أمنية، إلّا أنّ الطابع التي اكتسبته تلك الهجمات، وتأثيرها على مصادر تزويد الطاقة العالمي أطلق شرارة يمكن لها أن تدفع المنطقة الى المأزق، والى بروز ازمات اقتصادية كبيرة لها علاقة بارتفاع اسعار النفط، أو بالسيطرة على سوق الطاقة وعدم اللجوء الكبير الى الاحتياط النفطي في الولايات المتحدة أو في السعودية، فضلا عمّا يتبعها من ازمات سياسية، والتي ستنعكس على طبيعة الصراع المحتدم في المنطقة، وبالتهديدات التي مازالت حاضرة، على مستوى الجماعات الارهابية، أو على مستوى الصراعات المعقدة في سوريا وليبيا، والحرب في اليمن ذاتها، ودور السعودية والتحالف العربي فيها، فضلا عمّا يُثار حول طبيعة العلاقة السياسية بين انصار الله الحوثيين وايران، وهو تحالف تضعه الولايات المتحدة وبعض الدول العربية في خانة التدخل السياسي في المنطقة، بوصف ماتقدمه ايران للحوثيين من دعم عسكري وسياسي ولوجستي، وهو ما أعطى الضوء الاخضر للمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة لاتهام ايران بحادث ارامكو، وأن الاسلحة التي استخدمت في الهجمات كانت ذات صناعة ايران، وهي ذريعة لتضخيم الازمة من جانب، ولاثارة تداعياته دوليا بوصفه تهديدا للطاقة وللأمن الاقتصادي العالمي..
رهانات حرب المال والطاقة
ما أفرزته هجمات ارامكو من آثار يعكس مدى الخطورة التي يمكن أن تواجه المنطقة، وما تستدعيه من مواقف، أو من تداخلات قد تنخرط فيها دول كبرى، ودول اقليمية، فتهديدات الرئيس ترامب تعكس طبيعة الازمة وأثرها، رغم أنها لاتعني الذهاب الى الحرب كرهان على استعادة التوازن، كما أن ماطرحه الرئيس بوتين حول امكانية أن تكون الاسلحة الروسية بديلا لحماية البنى التحتية السعودية، وهو طرحٌ تختلط فيها السخرية من ضعف منظومات الدفاع الاميركية، مع منظور تجاري يدعو من خلاله للترويج لمنظومات أس أس 300، وأس أس 400 الدفاعية الروسية، فضلا عن مواقف أخرى تدخل في سياق السياسة، وفي حساب مصالحها وخنادقها، دون اللجوء الى الاعلان المباشر عن تحالف دولي كبير كما حدث في حرب الخليج، أو بعد احداث سبتمبر 2001، وهو مايعني أن رهانات الحرب في اليمن ستظل محصورة بالحرب ذاتها، وبضعف الرهانات التي افرزتها منذ اكثر من اربع سنوات، وهو ماجعل مبعوث الامين العام للامم المتحدة في اليمن يبادر للحديث عن ضرورة اقرار السلام الواقعي بين الحوثيين وبين السعودية والتحالف، حكومة منصور هادي، وبعيدا عن رهانات العسكرة الملتبسة، والتي فقدت الكثير من جدواها وواقعيتها، واختلطت اوراقها وملفاتها، ومنها ماحدث في ارامكو، إذ اختلطت الملفات العسكرية والامنية مع ملفات تخص المال والطاقة، وهي ملفات أكثر غموضا وتعقيدا، فضلا عن تأثيرها على وضع الحسابات السعودية، واستمرار تورطها في هذه الحرب العدمية على المستوى الداخلي، وكذلك على المستوى الخارجي، ومدى قبول العالم لهذا النزيف الانساني ولكوارثه الانسانية والاخلاقية والصحية على أكثر من سبع ملايين مواطن يمني يعيشون ظروف الحرب والحصار والحرمان والمرض.
هذا التحوّل في الحرب وضع الجميع أمام ثنائية مرعبة، إمّا الانفتاح على الجحيم، أو الذهاب الى المراجعة، وكلا الأمرين يتطلبان جرأة في اتخاذ القرار، فالرئيس ترامب يطالب بمزيد من المال السعودي لحماية مصادر الطاقة السعودية، والدولة السعودية تجد في هذا الخيار احراجا لها، وربما انزلاقا نحو جحيم آخر للانهاك الاقتصادي ولمكانتها بين الحلفاء، مثلما أنّ الذهاب الى السلام والحوار المباشر مع الحوثيين سيكون قبولا بالأمر الواقع واستسلاما له، وهو ماقد يُفسّر بأنه تصدع في كبرياء العقل السعودي، وفشل لكل الشعارات التي طرحتها السعودية وتحالفها منذ بدء الحرب على اليمن عام 2015.
عدميَّة الحرب
مايحدث في اليمن تحول الى حربٍ عدمية، والى مجال من الصعب السيطرة على مساراته ومعطياته، فهجمات ارامكو في سبتمبر 2019 لها دلالتها الرمزية على مستوى الحدث والأثر، كمقابل للحدث الذي عاشته الولايات المتحدة عام 2001 حين تعرّض مركز التجارة العالمي في نيويورك الى هجمات دامية وعدمية أيضا، كان لها أثرها الكبير على معطيات الصراع الدولي، والذي تبعه قيام الولايات المتحدة بغزو افغانستان، وغزو العراق عام 2003.
كما أنّ دلالاتها الواقعية تكتسب خطورتها من خلال تأثيرها على طبيعة المواقف في المجتمع الدولي، والمواقف التي تخصّ طبيعة ما تُحدثه من تهديدات، والتي فتحت الحديث عن امكانية اشعال جبهات الحرب، أو عن خطورة الازمات الاقتصادية الكبرى، وعن الصراعات الدولية، وعن اسواق السلاح وتضخمها، وعن رعب الحروب الاقليمية، وكذلك عن العودة الى فرص استحداث اصطفافات سياسية وجماعاتية ليست بعيدة عن خيارات حروب الميدان والطاقة والمال.