لماذا الدعوة لإلغاء مجالس المحافظات ؟

آراء 2019/09/17
...

عبد الحليم الرهيمي
 
بعد السجالات التي جرت نهاية العام 2018 وبداية العام 2019 بشأن مصير مجالس المحافظات، بين الداعين للابقاء عليها والداعين لإلغائها، تجددت مؤخراً مرة أخرى، هذه السجالات مع تحديد موعد إجراء عملية اختيار مجالس جديدة في شهر نيسان – أبريل المقبل العام
2020.
ورغم أنّ هذه السجالات تندرج في اطار الدعاية المبكرة لأعضاء المجالس الجديدة إلّا انها تعبر في الوقت نفسه، واساساً، عن رؤيتين ووجهتي نظر مختلفتين ومتضادتين عن بقاء او إلغاء هذه المجالس.
ويبرّر الداعون للابقاء على هذه المجالس وربما القبول باجراء بعض التعديلات على وظيفتها وعلى القانون (21) الخاص بها، بأنّ وجودها دستوري وأنّ الإلغاء يتطلب تعديل الدستور وهو امر صعب بل يستحيل تحقيقه بمثل هذه الظروف رغم ان المادة (142) من الدستور التي نصت على تشكيل لجنة لتعديله خلال اربعة اشهر لم تنجز هذه المهمة منذ اكثر من اربعة عشر عاماً !
وبينما لا يقدم الداعون للإبقاء عليها الاسباب والمبررات المقنعة لرؤيتهم في الابقاء عليها رغم كل الاخفاقات في ادائها والانتقادات الحادة التي توجه الى اهلية ونزاهة الكثير من اعضائها، فإنّ الداعين لإلغائها، وخلافاً للمتمسكين بالابقاء عليها يقدمون الاسباب والمبررات - لدى كثيرين - المقنعة التي تعضد وجهة نظرهم ورؤيتهم.
وينطلق الداعون لإلغاء هذه المجالس من فكرة او مقولة مهمة تحظى بتأييد شعبي وسياسي واسع - كما يرى كثير من المتتبعين- والتي تقول بأن هذه المجالس وكما اثبت الواقع هي (حلقة زائدة) في مؤسسات الدولة التي تشكل احد عوامل ترهّلها فضلاً عن عوامل اخرى لهذا الترهّل.
وتستند هذه الرؤية الحاسمة في الدعوة لإلغاء هذه المجالس الى: أولاً، عجزها كلها او معظمها عن تقديم الخدمات الضرورية والاساسية أقلها الى مواطني محافظتها، وثانياً، طغيان واستشراء حالة الفساد المروع لها كمؤسسة وللكثير من اعضائها. اما ثالثاً، فهو انغماسها الشديد في الصراعات السياسية والحزبية والكتلوية على المناصب من اجل الاستحواذ عليها والاستفادة القصوى من امتيازاتها للمصالح الحزبية او الشخصية، وذلك على حساب تقديم الخدمة العامة للمواطنين واعمار المحافظات.
 ولعلّ استشراء الفساد وهدر المال العام يمثلان ابرز التعبيرات عن فشل هذه المجالس وتدني سمعتها بين المواطنين، الذين رصدوا – من خلال الاعلام على الاقل – أسماء وصور المحافظين وبعض اعضاء المجالس الذين حوكموا وسجنوا بتهم الفساد، او هرب بعضهم الى الخارج محمّلاً بتهم الفساد وبالأموال التي جناها دون وجه حق من المال العام مباشرة او عبر (اللجان الاقتصادية) الحزبية! 
ورغم محاولات البرلمان والسلطة التنفيذية توفير الاسباب التي تساعد هذه المجالس على القيام بواجباتها والنهوض بالمواطنين ومحافظتهم كتشريع القانون (21) وتعديلاته الخاص بمجالس المحافظات وحتى تحويل صلاحيات ثماني وزارات الى صلاحيات تلك المجالس، لكن دون جدوى.
وهكذا، وفي ضوء المرارة التي يُعاني منها المواطن من فشل وعجز وفساد معظم هذه المجالس ومرارة البرلمانيين والسياسيين الداعين الى الغائها، فإن البديل هو العودة الى تجربة المحافظين (المتصرفين) في العهد الملكي وما بعده، والقائم على اساس مسؤولية المحافظ المعين من السلطة التنفيذية ببغداد وتحت إشراف لجانها الرقابية.
إنّ ما يمكن اقتراحه هو السعي لاستصدار حكم قضائي لتعديل المادتين (122) و (123) من الدستور واعطاء الحق لأبناء كل محافظة بانتخاب محافظ لها بالانتخاب الحر المباشر ولمن يحرز اعلى الاصوات، ومن ثمّ يقوم البرلمان او الحكومة الاتحادية وتحت اشرافهم ورقابتهم بتعيين اربعة او خمسة نواب له، مثلاً (ويمكن ان تكون باقتراح من المحافظ) لشؤون الصحة والتعليم، والسكن والاعمار والخدمات العامة.. وغيرها من الشؤون، ويمنح الحق للمواطنين، وفق ضوابط محددة، بمحاسبة او اقالة المحافظ متى ما وجدوا نسبة محددة ممن يحق لهم التصويت القيام بذلك.
لا شكّ إنّ إلغاء مجالس المحافظ واستبدالها بالآليّة المقترحة لاختيار المحافظ ومساعديه، سوف لن يحسّن فقط الاوضاع العامة بالمحافظات انما سيحد، إنْ لم يوقف نهائياً، حالة الفساد المستشري والهدر الهائل للمال العام، بعد التخلّص من (الحلقة الزائدة) في مؤسسات الدولة وترهّلها كما يعتقد الداعون لإلغاء هذه المجالس، بل وأكثريّة العراقيين.