بينما قوضت بكين استقلالية هونغ كونغ، الّا أنها أبقت اقتصاد المقاطعة بحالة جمود منذ فترة طويلة. عندما أعادت بريطانيا هونغ كونغ الى الصين عام 1997، وعد الحزب الشيوعي شعب المقاطعة بأمرين: الحكم الذاتي السياسي والحفاظ على الرأسمالية.
لم تلتزم الصين بالوعد السياسي، وخصوصا منذ تولي تشي جين بينغ الرئاسة عام 2012 اذ قوضت الحكم الذاتي وخنقت الحياة السياسية هناك. ومن جهة ثانية التزمت بكين بتعهداتها الاقتصادية، وهو ما أثار الاستياء الشعبي أيضا. أدى الحفاظ على النظام الاقتصادي للمقاطعة كما هو الى المساهمة بانتاج عدم مساواة حاد بسبب نفقات السكن المرتفعة جدا. وتستمر مجموعة صغيرة من الأثرياء بالسيطرة على سوق العقارات وإثراء أنفسهم على حساب الآخرين. ويقول عدة متظاهرين شباب أنهم فقدوا الأمل بمستقبل مزدهر، وتبدو القدرة على تحمل سكن ملائم أمرا بعيد المنال.
استمرت هونغ كونغ لفترة طويلة مركزا ماليا عالميا بسبب القوانين المبسطة والمحاكم المستقلة وتدفق الأموال من الصين. لكن وظائف كثيرة نتجت عن ذلك شغلها أشخاص من الخارج برواتب عالية، مما رفع أسعار
العقارات.
واسهم بالارتفاع أيضا سكان البر الصيني من الباحثين عن ملاذ، اضافة الى سوق السكن غير الطبيعية.
تقيد الحكومة بصورة مصطنعة معروض الأرض لأغراض التطوير، وتعرض للمزاد مساحات قليلة منها سنويا. ويشتري معظمها مطورون أثرياء يستحوذون على أراض شاسعة.
لا يمتلك هؤلاء حوافز كافية لإغراق السوق بمنازل جديدة، ناهيك عن بناء أحياء سكنية واطئة الكلفة.
يقل معدل الراتب في هونغ كونغ عن 2170 دولارا شهريا، وهو بالكاد أعلى من معدل الايجار. ويشتري متوسط الراتب السنوي 12 قدما مربعا فقط، أي ما يعادل ثمن المساحة في نيويورك أو طوكيو. كان زعماء العوائل الثرية الأساسية (مثل بيتر وو من شركة ويلوك، و لي شاو كي لشركة هندرسون لاند والأخوة كووك لشركة عقارات صن هونغ كاي) في القمة أصلا عندما حكمت بريطانيا هونغ كونغ.
واضافة للعقارات فقد هيمنت تلك العوائل على قطاعات ذات تنافس محدود مثل الموانئ والخدمات العامة والمتاجر الكبرى.
عملت الصين قبل 1997 بدأب على كسب ولاء أثرياء هونغ كونغ، عبر تقديم صفقات أراض ضخمة لهم داخل الصين، وكانت النتيجة اتباعهم أوامر بكين كما ينبغي.
سيطر الأثرياء منذ ذلك الحين ليس على الاقتصاد فحسب ولكن على الحكومة أيضا، وعارضوا مطالبات بمزيد من التمثيل الديمقراطي ودولة رفاهية أكثر سخاء وبرنامج لبناء مساكن جماعية رخيصة من النوع الذي تبنته سنغافورة منذ زمن
طويل.
يأتي جزء من نفوذ الأثرياء بواسطة مساهمتهم في تمويل حكومة المقاطعة، اذ تمثل مبيعات الأراضي 27 بالمئة من ايرادات حكومتها. ومنذ بدء الأزمة الحالية لم تلتق حاكمة المقاطعة كاري لام أيا من الناشطين الديمقراطيين لكنها استشارت متنفذين أثرياء
عدة .
يتجنب أثرياء هونغ كونغ الحديث علانية عن الأزمة، وربما يحاولون تجنب مخالفة رعاتهم في بكين وزبائنهم داخل هونغ كونغ. لكن وسائل الاعلام الصينية هاجمت هؤلاء بسبب عدم عرضهم ولاء كاف لبكين، ووضع أثرى رجال هونغ كونغ “لي كا شينغ” اعلانات كبيرة في الصحف المحلية مطالبا بالسيطرة على النفس. لكن هذه الدعوة كانت غامضة، فهل هي موجهة للمحتجين أم الحكومة المحلية أم سلطات بكين؟
تذمر مسؤول صيني كبير من أثرياء هونغ كونغ خلال لقاء جرى مؤخرا مع شخصيات غربية بارزة. وكشفت الأزمة نقائص النظام الرأسمالي للمقاطعة، كما قال المسؤول ‘لأن ذلك النظام لم يوزع الثروة بالقدر الذي تمنته الحكومة المركزية.
يعد هذا الادراك تطورا مرحّبا به، اذا كان واسع النطاق في بكين. الحل السياسي للأزمة هو اشتراك نظام أقل تزييفا للتمثيل السياسي، وكذلك الحال بالنسبة للبعد الاقتصادي عبر تضمين سوق عقارات أقل تزييفا. وربما يعتقد قادة الصين أن هذا الاصلاح سيكون بديلا عن الديمقراطية، ويبدو أنهم بدأوا بإدراك أن كارتل عقارات هونغ كونغ بحاجة للتحدي عبر سياسات تشهد اطلاق أراض أكثر للسكن واطئ الكلفة. ويقول أحد الخبراء المعماريين أن الامكانية هائلة مع وجود أراض مساحتها أكثر من ألف هكتار يمكن تطويرها بسرعة، اضافة الى ملعب غولف مساحته 170 هكتار سيحين موعد تأجيره العام المقبل.
مجلة ايكونومست