الانتظار السلبي

آراء 2019/09/19
...

د. حسين القاصد 
 
الانتظار بأقسى معانيه يمثل الحياة النابضة، فلا حياة لمن لايفكّر بغده، او لا يفكّر بلحظته المقبلة؛ والمواعيد لذيذة جدا على شدة قساوتها، وكثرة عراقيبها، ولقد كانت العرب تتخذ من شخص اسمه عرقوب مثلا لمن يُخلف وعده. 
 ولا صبرَ مع الانتظار السلبي، لأنّ من شروط الصبر ان المرء يصبر على ما يستطيع الاستغناء عنه لا على ما هو مجبور عليه، لأنّ انتظار زوال الجبر لايعني صبرا إنّما يعني تسليما بالأمر الواقع، وخضوعا تاما إذ لا حلَّ سوى الانتظار السلبي. 
 الانتظار جميلٌ ولذيذٌ جدا حين يكون عقداً بين اثنين تجمعهما مشتركات من حرص وثقة واخلاص ووفاء، وما عدا ذلك لايسمى انتظارا، بل هو خضوع تام لمرور الوقت الذي، دائما، لايمر مرور الكرام، بل يجثم على الصدور بكلّ ثقله السلبي ووقعه على النفوس؛ ومن ذلك انتظار المريض الذي قيل له ليس لك إلّا أن تنتظر الموت، فأين يهرب من مرضه اذا كانت النافذة الوحيدة للهرب والوجهة العقيمة هي الموت لا غيره. 
 يتغزّل الشعراء بانتظاراتهم ويفرحون بالوصال بعد الفراق، لكنّ أبا الطيب المتنبي اختصر لنا الحكاية ووفر علينا مانريده من هذا المقال بقوله: 
نَصيبُكَ في حَياتِكَ من حَبيبٍ
 نَصيبُكَ في مَنامِكَ من خيَالِ
 وهو انتظار الآيس جدا، مثل انتظار اطلاق الدرجات الوظيفية، او انتظار تحسّن وضع الكهرباء في البلاد، او انتظار العراقيين للحظة وفاق بين ساستهم لكي لا يهيمنوا بخلافاتهم، على المزاج العام، او على الأداء الحكومي الذي يترقب المواطن تحسّنه؛ وكي لا ينشغل مجلس النواب بسحب الثقة عن هذا النائب ومصالحة هذا النائب مع ذاك؛ لأنّ الشعب انتخب نواباً يحضرون جلسات مجلس النواب نيابة عن الشعب الذي انتخبهم، لكي يحققوا ما ينتظره الشعب الذي يبدو أنّه دخل مرحلة سلبيّة الانتظار القاتل. 
  ينتظر المواطن بناء مدارس جديدة وهو يراقب بحسرة اطلال مدارس تمّ هدمها دون تحديد أي موعد لاعادة بنائها، وينتظر الشعب أن يتحسّن الوضع الصحي فيفاجأ باستقالة وزير الصحة؛ وكأنّ استقالته هي الحل. ربما يكون الشعب غارقا في حلم طويل، ولعلّه يجد نصيبه في الخيال كما يقول ابو الطيب، فهل من نهاية لهذا الانتظار وهل من موعد او جدولة واضحة لانهاء معاناة هذا الشعب.