حمزة مصطفى
أطلق منتدى بحر العلوم للحوار الذي يرعاه الدكتور إبراهيم بحر العلوم الموسم الرابع من أنشطته المعرفيّة يوم الثلاثاء الماضي. الموسم الرابع حمل عنوانا لافتا وهو “ثنائيّة الحكم والمعارضة”. أما المحاضر فهو الدكتور حيدر العبادي رئيس الوزراء السابق وزعيم إئتلاف النصر، وبحضور لافت لزعامات سياسية ودينية وفكرية ودبلوماسية عربية وإقليمية ودولية. ففضلا عن حضور عدد من نواب رئيس الوزراء والوزراء السابقين والحاليين والنواب من مختلف الكتل والتيارات فقد حضر أيضا سفراء الكويت وإيران والمملكة المتحدة.
خلال المحاضرة أطلق العبادي مصطلحا جديدا سوف يدخل حيز الخطاب التداولي وهو “المعارضة التقويميّة”، ومنطلقه في ذلك كما أشار في محاضرته أنّ البيئة السياسية في العراق لاتزال غير جاهزة تماما لمعارضة سياسية تمثل أقليّة مقابل حكومة أو سلطة تمثل الأغلبيّة، إذ لايزال العراق بلد مكونات الى حد كبير. وهذه الرؤية شاركه فيها الكثيرون من الحاضرين الذين لم يوفر أحد منهم لاسيما ممن عقب أو شارك في المناقشات نقده العنيف للواقع الحالي الذي يمر به العراق.
فالعراقيون الذين شاركوا في موسم بحر العلوم وإن كانوا من مختلف الكتل والمكونات والتوجهات بل وحتى الأديان والطوائف أستطيع القول إنّهم قدموا أطروحة عراقية غاية في النضج والأهمية أمام الضيوف العرب والأجانب. فلقد اتفق الجميع أن الدولة العراقية عانت منذ النشأة (1921 ـ 2003) من إشكالية الهوية الوطنية فضلا عن إشكالية الدولة نفسها عبر مامرت به من تجارب حكم وسلطات ملكية وجمهورية، ديمقراطية وشمولية. وبعد مرحلة 2003 اتفق الجميع أيضا على أن التجربة السياسية الحالية شابتها ولاتزال الكثير من المشاكل والإشكالات السياسية والمنهجية وفي مختلف الميادين والمجالات.
وقد تولى الجميع نقد تجربة الحكم إن كان على مستوى السلطة الماسكة بزمام الأمور (الحكومة) أو المعارضة التي لم تتكون بعد أو لم تنضج حتى في حال وجود محاولات ومساع الآن للانتقال الى المعارضة ممثلة بعدد من القوى والأحزاب التي تعمل الآن على تأسيس هذه الثنائية التي لاتزال مفقودة وهي “ثنائية الحكم والمعارضة”. ومع أن المحاضرات الأخرى في الموسم الرابع من هذا الملتقى سوف تناقش مفردات عديدة على هذا الصعيد فإنّ القائمين على الملتقى وفي مقدمتهم السيد إبراهيم بحر العلوم حسناً فعلوا حين اختاروا زعيما سياسيا بحجم حيدر العبادي لكي يدلي بدلوه في هذا الموضوع الذي لايزال ملتبسا الى حد كبير. فالعبادي وإن لم ينتم الى جبهة المعارضة الرسمية حتى الآن فإن ما عبر عنه من أفكار وآراء لاسيما مفهوم “المعارضة التقويميّة” يمكن أن يؤسس لحراك سياسي مقبل قد يغير من أسس بناء الدولة الحديثة في العراق، لاسيما أن الانتقادات التي تولاها عدد من الحضور طالت حتى منصب رئيس الوزراء وهل هو حصرا لشخصية شيعية أم لا، وهو مالم يتطرق اليه الدستور. كما أنّ المشاركين انتقدوا وبقوة وأمام السفراء العرب والأجانب طريقة إدارة الحكم من خلال المحاصصة ومن ثمّ التوازن لحفظ حقوق المكونات وهي بدعة أضرت وسوف تضر في حال استمرارها بمفهوم المواطنة التي بدا أنّ جميع الحاضرين في منتدى بحر العلوم يبحثون عنها مع وجود جدية واضحة في اختزال زمن بلوغها.