العنف ضد المرأة كظاهرة من ظواهر تخلّف المجتمع

آراء 2019/09/19
...

زهير كاظم عبود 
 

خلال الأيام المقبلة نتطلّع الى صدور قانون يمنع استعمال العنف الأسري بأيّ شكل من الأشكال، وهو خطوة قانونية، هذه الخطوة يجب أن تتكامل وتنسجم مع القوانين والمعاهدات الدولية، وأن تراعي الوضع الاجتماعي والخصوصية العراقية، والأسباب المبررة للقانون السعي من أجل استقرار العائلة العراقية والحد من جريمة العنف الأسري، وهذه الظاهرة تعد وسيلة من وسائل التخلّف الاجتماعي الذي ينبغي أن يتم تجريمها ونبذها من مجتمعنا. 

يمكن تعريف العنف ضد المرأة بأنّه أيّ فعل يكتنفه العنف ويؤدي بالنتيجة الى حدوث ضرر أو أذى،  أو أية معاناة نفسية للمرأة (ماديا أو معنويا)، ويشمل العنف أيضا، كلَّ تهديد أو حرمان أو أعمال قسريّة أو تعسفيّة من شأنها إحداث تأثيرات نفسية جائرة، أو بمعنى آخر، هو كلّ فعل عنيف يمس جسم المرأة أو سمعتها أو شرفها، ويمكن أن ينسحب هذا الفعل حتى الى الطفل ضمن الأسرة، وهذا العنف يمكن أن يكون جسديا (بدنيا) أو نفسيا أو جنسيا. 
والعنف الجسدي يشمل الضرب الذي تتعرّض له المرأة سواء كان على يد الزوج أو الأب والأم أو الأخ أو الابن أحيانا ضمن محيط الأسرة أو خارجها، كما يشمل التشوّهات الجسديّة الحاصلة في جسد المرأة، او أية وسيلة أخرى تمس جسد المرأة وتترك أثرها المادي. 
وتدخل ضمن أطر العنف أعمال الرق وإجبار النساء على ممارسة أفعال البغاء وحالات تبادل النساء لأغراض الزواج، وإرغام الفتيات القاصرات او البالغات على الزواج قسراً بأي شكل من الأشكال، والأعمال القسرية في توظيف الفتيات في أعمال السخرة وخدمة المنازل والأعمال الإجبارية.
أما العنف النفسي فإنّه يشمل التأثيرات النفسية المنعكسة على حياة المرأة جراء تلك الأفعال العنيفة وما يتولد عنها من انعكاسات سلبية على حياة المرأة أو سلوكها أو سمعتها. 
ويشمل العنف الجنسي حالات الاغتصاب، والممارسة الجنسية بالقوة من قبل الزوج رغما عن رضا المرأة وقبولها، ويشمل جميع أنواع الاعتداء التي تدخل ضمن العمليات الجنسية إذا تخللها قسر أو إجبار المرأة على فعل ما بأيّ شكل من الأشكال، بما فيها حالات المضايقة والتحرّش والتعدي البذيء بالكلام المخدش للحياء، فضلا عن اللجوء الى حرمان المرأة من الخروج وتقييد حريتها. 
وخلال الحقبة الزمنية المنصرمة قامت الهيئات التشريعية المتعاقبة بسن قوانين ملزمة، تخللتها عناصر الميل الواضحة للمجتمع الذكوري، مما يتطلب - أمام واقع الحال - تفعيل حركة للإصلاح والتغيير الجذري لهذه القوانين، من خلال إصلاح قوانين الأسرة والمرأة بشكل خاص، بما يجعلها متطابقة مع مبدأ المساواة والعدالة، ومادام الدستور بوصفه أعلى الهرم القانوني يمنحها حقوقها الدستورية كاملة دون نقص، مثلما يمنحها الحماية القانونية التي يسبغها على تلك الحقوق، دون النظر الى القيود السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية البالية منها، ومن خلال مشاركة المرأة في قراءة وتعديل تلك النصوص. 
الإصلاح القانوني موازنة بين النصوص القانونية المعمول بها وبين الواقع المعيش، مقاربة اجتماعية بين القانون والسلطة،  وخصوصا تلك القوانين التي تمس حياة النساء، وتشخيص المعوقات التي تمنعها من المساواة في مجالات عدة، قراءة واقعية متوازنة في المبررات التي وضعت كأسباب موجبة لتلك التشريعات وتدقيق الغايات المرجوة منها، على أن لا يغيب عن البال أن النصوص القانونية ليست نصوصا مقدّسة، إنّما هي  نصوص قانونية منسجمة مع مبادئ الدستور، وتعبر عن معالجة مرحلية لحالات ووقائع معينة يمكن أن تتطور أو تتعدل وفقا للظروف التي يعيشها المجتمع زمانا ومكانا، وهي بالتأكيد ليست بالضرورة أن تكون متفقة بشكل أو بآخر مع النصوص الدينية لجميع الديانات.  
ومن أجل إلغاء التعارض بين النص القانوني والدستوري، نلاحظ أن الفقرة رابعا من المادة 29 من الدستور منعت (جميع) أشكال  العنف والتعسّف الأسري سواء في المدرسة أو المجتمع، بينما نصت الفقرة الأولى من المادة 41 من قانون العقوبات انه لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون، وعدَّ قانون العقوبات استعمالا للحق تأديب الزوج زوجته. 
كما عدَّ قانون العقوبات جريمة القتل غسلا للعار مقترنة بالظروف القضائية المخففة لعقوبة الرجل، لأنّ نص المادة 409 عقوبات جاء بصيغة ذكورية، وبهذا حجب تلك الظروف عن المرأة ولم تتساوى معه في هذا النص، كما لم يأت النص منسجما مع النص الدستوري الذي يقرر المساواة بين الرجل والمرأة. 
ومن المعروف أّنّ تلك النصوص تمنح الرجل ظروفا قضائية تنزل بالعقوبة الى حدود الجنحة بدلا من الجناية، في حين لا تجد المرأة مثل تلك الظروف والأعذار حينما ترتكب الفعل نفسه وللسبب نفسه، وبذلك ينتفي مفهوم المساواة في التطبيق العملي. 
وعاقب قانون البغاء المرأة التي تمتهن البغاء (فعل الجنس مقابل المال)، ولم يعاقب الرجل الذي يمارس العمل الجنسي معها، وعدَّ القانون دليلا من أدلة الإثبات للحكم عليها، وتلك مفارقة غير منطقية وغير مقبولة.