عالية طالب
• حاولت أنْ تجتازه بسيارتها الصغيرة وهو يسير باسترخاء سيجعلها تتأخر عن موعد عملها، وما انْ فعلت هذا حتى انتفض بسيارته الفارهة ولاحقها يميناً وشمالاً وهو يصفها بأقذع الأوصاف، فهل يشكل الأمر عنفاً ضد المرأة أم حالة عادية؟
• أجبرها مديرها أنْ تضع إمضاءها على مناقصة عمل لم تجدها مستوفية للشروط، وحين رفضت واجهها بثورة غضب وتجاوزات لفظية مرفقة بعقوبة نقل، فهل هذا عنفٌ أسريٌّ أم اجتماعيٌّ؟
• نزل آخر راكب في سيارة الكيا التي أقلتها من الكراج العام، لم يبق غيرها وحينها التفت السائق طالباً منها المغادرة بدل أنْ يُكملَ طريقه مع راكب واحد، خافت من طريقته المتشنجة واعترضت بصوتٍ خفيضٍ فأوقف السيارة ملوحاً لها بعصا سحبها من تحت كرسيه.. فهل هذا يشكل عنفاً أم حالة طبيعيَّة.
حالات لا تنتهي تواجهها المرأة كل يوم سواء في الشارع أو في العمل أو في الحياة العامة ولا تجد رادعاً قانونياً ضامناً لحقوقها المدنيَّة التي أهدرها ضعف استخدام القانون المنظم للحياة العامة وللعمل وللمستهلك والخدمات الأخرى، وهو ما أغفله مشروع قانون مناهضة العنف الأسري المرسل من رئاسة الجمهورية إلى مجلس النواب للمصادقة عليه الذي قدمته مجموعة من الناشطات في منظمات المجتمع المدني بجهد مميز لكنه أغفل أنَّ ممارسة العنف ضد المرأة لا يتحدد بالعنف الأسري (الزوج، الأخ، الأب، الابن) بل هناك أشكالٌ متعددة من العنف تمارس ضدها في أغلب مرافق الحياة العامة ولا تتداخل الحالة مع ظاهرة “التحرش” التي هي أيضاً يمكن عدها شكلاً من أشكال العنف الاجتماعي.
المرأة التي يغمط حقها في شغل مركز متقدم في مجال العمل استناداً على كفاءتها ودراستها الأكاديمية التي تفوق مسؤولها الأعلى، ويتغافل عن استحقاقاتها في العلاوة والترفيع ولا تمارس تخصصها العلمي بسبب جهل مكان العمل بوضع المناسب في مكانه وتتعرض للاضطهاد من مرؤوسيها فيما لو اعترضت على واقع مرتبك وقد تنال عقوبات أو معاملة سيئة تجعلها في دوامة إحباط لا تفكر فيها بتقديم جهدها الحقيقي الذي بسببه تسلمت أشكالاً من التجاهل والعنف، هذه المرأة لم تجد لها مكاناً في مشروع هذا القانون والذي استند في أسبابه الموجبة على: (ونظراً لكون العنف ضد المرأة يعدّ شكلاً من أشكال التمييز، وانتهاكاً لحقوق الإنسان، والتزاماً بالصكوك والمعاهدات والمواثيق الدوليَّة التي صادق عليها العراق، وانسجاماً مع ميثاق الأمم المتحدة والقرارات الأمميَّة، وسيراً على خطى مبادئ المجتمع الدولي، وتنفيذاً لأحكام المادة (29) من الدستور)، لكنه تناسى أنَّ المعاهدات والمواثيق التي وقعها العراق لم تحدد العنف بالواقع الأسري فقط بل جعلته شاملاً لكل أشكال العنف ضدها، وهو ما كان مفترضاً العمل عليه لتشعر المرأة بالأمن الاجتماعي الحقيقي وهي تستندُ على قوانين مجتمع يؤمن بقدراتها وحقوقها الإنسانيَّة والتشريعيَّة
والقانونيَّة.