يُواجه قادة داعش وفقهاؤه ومقاتلوه ومؤيدوه اليوم واقعا جديدا بعد سقوط دولتهم المزعومة (دولة الخلافة) بفعل الضربات العسكرية، ولأنه حدث كبير فإنه سيقود لتغيرات كبيرة، فالأحداث الكبيرة كانت دائما تقود لتغيرات هائلة، فثورة اكتوبر غيرت وجه العالم، كذلك فعلت الحربان العالميتان، والثورة الاسلامية في ايران، وسقوط جدار برلين، والربيع العربي الذي غير العالم العربي، وغيرها الكثير، ومهما حاول داعش طرح نفسه كظاهرة خارج المنطق والعقل، الا انه يبقى محكوما بقوانين التاريخ والديالكتيك. فالسقوط المدوي لـ “دولة الخلافة” وهروب الخليفة وتشتت أسر الدواعش واطفالهم في المخيمات يضع قادة داعش في موقف صعب للإجابة عن السؤال الأصعب، هل يمكن تبرير ما حصل مع دورة الدم تلك؟، لإيجاد مخرج للمأزق الذي يجد داعش نفسه عالقا فيه، فإعادة الدورة من جديد للوصول الى التمكين لم يعد لها من معنى طالما ان العالم لم يعد يتسع لدولة بمقاييس داعش التي تقسم العالم الى فسطاطين ودارين للحرب والاسلام. قادة داعش اليوم يجدون أنفسهم امام معضلتين كبيرتين:
الاولى. إرث ثقيل من الدم والقتل وتطبيق أعمى للحدود، جعلت الناس تنفر من فكرة الدولة الاسلامية على منهاج النبوة حسب طريقة داعش. ويستحيل أن نجد انسانا سويا يحن لأيام داعش ورجال الحسبة يعدون على الناس انفاسهم. فمشاهد هروب الناس في الموصل باتجاه قواتنا الامنية في الموصل تبقى شاهدة على ذلك النفور الجماعي على مدى التاريخ.
الثانية. الهزيمة العسكرية المخزية وهروب الخليفة، في وقت يتجاوز فيه تعداد العالم الاسلامي المليار مسلم.
لذلك فإنّ تغيرات كبيرة لا بدّ ان تحصل على مستوى الحركات الجهادية الاسلامية في العالم حول الجدوى من الجهاد ووسائل تحقيقه في عالم اليوم المعروف بعلاقاته وتوازناته ومصالحه، وتوقع حصول تغيرات أكبر على مستوى عصابات داعش من الداخل، رغم ميل الاخيرة الى الانكار المستمر للاعتراف بالهزيمة والهروب من الواقع الى الخيال والجن والشياطين وما توحيه بأن لا فائدة من جهاد لا يلازمه النصر والتمكين، واعتبار ما حصل ابتلاءً ربانيّاً لتمحيص المؤمنين من المنافقين، (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِين). المعضلتان أعلاه أثرتا بصورة كبيرة على قدرة عصابات داعش على التجنيد، لذلك اصبحت تبحث وتحث المواقع المناصرة للترويج لها، لهذا فإنّنا نجد ضخا اعلاميا كبيرا يحاول توظيف أرشيف داعش الاعلامي، لكن المردود العملي يبقى قليلا بفعل ما تعرضت لها دولة الخلافة واختفائها من الخارطة تلاحقها لعنة أبديّة.