الأخلاق قبل الديمقراطيَّة !

آراء 2019/09/20
...

أماني النداوي
 
 يرتبط مفهوم الأخلاق بالتربية والدين والقانون والقيم، وهناك قيم تربوية وأخلاقية تزرع في شخصية الإنسان منذ نشأته الأولى، وبعض العادات التي ترسخ في الشخصية منذ الطفولة لا يستطيع الانسان تغييرها بسهولة مع مرور الزمن، وذلك بالرغم من تطور وسائل الاتصال والمعلومات الحديثة، التي تعمل جنبا إلى جنب مع المؤسسة التربوية في صنع القيم الأخلاقيّة. 
صدر قبل ايام معدودة تصريح من وزارة التربية يشير إلى أن مادة جديدة بعنوان (الديمقرطية) سوف تضاف الى  منهج الدروس في المرحلة الابتدائية، وقد بات ذلك المنهج مثقلاً كثيفاً يفوق قدرات الطفل العقلية، ويعاني من الاخطاء والتغييرات التجريبية المستمرة ومن الزخم الكبير في المعلومات، متجاهلين تلك القاعدة الذهبية أن (خير الكلام ما قلَّ ودلَّ). 
   ومن هنا يأتي السؤال، هل التلاميذ يحتاجون لهذه المادة الجديدة، ذات الصبغة السياسيّة، وذلك قبل ترسيخ القيم التربوية الأساسية من خلال مادتي (التربية الأخلاقية) و (التربية الوطنية) اللتين تم إلغاؤهما ومن ثمّ استبدالهما بمادة الديمقراطية؟.
 نرى أنّ التربية الأخلاقية ينبغي أن تسبق الديمقراطية، فالديمقراطية كمفهوم وممارسة سوف تكون مشوّهة فاشلة دون الأطر الأخلاقية الرصينة!.
 هناك مجالات تربوية عديدة يفترض أن تعالج من خلال مادة التربية الأخلاقية، في وقت مبكر في شخصية التلاميذ، فمنذ كنا بنعومة اظافرنا عانينا من التنمّر والسلوك العدواني، والتمييز بين الغني والفقير أو التنابز بالألقاب والأوصاف المسيئة حول عنصرية اللونين الأسود والأبيض، والعاهات مثل الأخرس والأطرش والأعمى، والسخرية والاستهزاء والضحك على الطفل الذي يبكي على أمّه أثناء دوامه في المدرسة والانتقاص من الطالب صاحب الملابس الباهتة القديمة والتباهي بالمقتنيات الثمينة من القرطاسية والأقلام من بعض التلاميذ الذين لم يتلقوا جرعات تربوية سليمة من العائلة في المنزل، ولم يعلمهم أحد ضرورة احترام مشاعر الآخرين، كل هذه المفاهيم الأخلاقية كانت تعالج في كتاب (الاخلاقية) وكتاب (الوطنية) اللذين تم حذفهما بقرار وزاري بعد العام 2003!
  يبدو أنّ أسباب الحذف تعود إلى بعض المفاهيم السياسية التي أدخلت في ظل النظام السابق في المنهج التربوي من خلال تمجيد الحاكم وحزبه، ولكن لو تمت مراجعة ذلك المنهج الأخلاقي وتهذيبه من تلك الشوائب، ليكون وسيلة لغرس الاخلاق الفاضلة والعادات الحميدة وتطبيقها مثل مراعاة مشاعر الآخرين والسلوك الراقي والمحافظة على الممتلكات العامة ثم القيم الوطنية، ومنها احترام التعدد المجتمعي والسكاني وحب الوطن أرضا وشعبا وحضارة وتاريخا. 
  إنّ ما نعانيه حالياً من مشاكل خطيرة في المجتمع تعود إلى انهيار المنظومة الأخلاقية والقيمية، فقد زادت الكراهية والتنمّر بين الأطفال، بشكل ملحوظ في سلوكهم اليومي، ولم تعد تقتصر على العلاقة المتوترة بين تلميذ وآخر، ولكن بين التلميذ والمعلّم، ثمّ وصلت إلى العلاقة بين الطفل ووالديه وأقاربه وجيرانه، وأصبح هذا السلوك المتدهور أكثر خطورة في ظل انتشار السلاح حتى في أيدي الصبية دون حسيب أو رقيب، فشهد المجتمع جرائم غير مسبوقة، وكل ذلك تحت مسمى (الديمقراطية) الجديدة التي تلقيناها بجرعات مستوردة، دون أن نعمل على تحصينها بالقيم الأخلاقية! 
 في ظل هذا الانحراف القيمي أليس من الأجدر النهوض بالواقع التربوي الأخلاقي قبل العلم والتعليم والمعلومات التي نضخها في عقول الصغار عنوة؟، وذلك لإنقاذ الاجيال الحالية والمقبلة من مأساة الانهيار المجتمعي، الذي بدأت ملامحه تزداد خلال السنوات الماضية، في ظل واقع تربوي وتعليمي متدهور يعاني من الازدياد والتزاحم العددي في الصفوف والاختناق في المدارس ذات الدوام الثلاثي وقلّة المباني الحديثة والخدمات الضرورية!. 
 أطفالنا هم غرس المستقبل، وهم يستحقون مناهج للتنشئة القيمية والأخلاقية قبل التعليم، فلا قيمة للعلم بلا أخلاق، ولا مستقبل لوطن دون حصانة أخلاقية راسخة.!