تطور العالم كثيرا، وبات يسابق الريح في الوصول الى أهدافه ، وعلى ضوء هذا التطور ، لم يعد ثمة بعيد في المسافات ، فمع الطائرات والسفن الراسيات والقطارات ومختلف أنواع السيارات ، بات الإنسان يطوي القفارى الشاسعات ، كطي السجل ساعات ، وعندما دعانا اجدادنا الى طلب العلم ولو كان في الصين ، فان هذه البلاد كانت بالنسبة لهم تمثل عالما مجهولا ، لم يكونوا بالغيه ، الا بشق الأنفس ، فكانوا يتمنون ، لو كانوا طيورا ، ليقطعوا تلك المسافة ، وصولا الى بلاد العجائب تلك !!
اليوم ،تغير كل شيء ، فطلب العلم من الصين لم يعد صعبا ومحفوفا بالمخاطر، بعد ان بسط التنين أذرعه في كل ارجاء العالم ، فليس ثمة دولة في الكون، الا ولديها مصنوعا صينيا ، فقد تمكن هذا البلد، بكتلته السكانية الهائلة من ان يقفز ، قفزات سريعة ، أذهلت العالم، ويمتلك الكثير من الحلول، لمعالجة مشاكل البلدان الأخرى ، بعد ان نجح في تطبيق تلك الحلول على واقعه ، فحقق نهضة واسعة في جميع المجالات، لم يعد الصينيون يموتون من الجوع، بسبب الفقر، إنما اصبحوا بمثابة البلسم لعلاج مشكلات الآخرين، فهم يمتلكون استثمارات هائلة، ولديهم صناعات متطورة جدا ، ويحملون عقولا قادرة على تقديم الأفضل ، ولو كانوا غير ذلك ، لالتهموا العالم اجمع بين ليلة وضحاها !! ومن هنا تأتي اهمية زيارة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي الى بلاد الصين، هذه الزيارة التي تعد الأطول في عدد أيامها بالمقارنة مع زيارات عبدالمهدي الى بلدان اخرى، كما ان الوفد الذي يرافقه هو الأكبر في العدد والمستوى، واعتقد ان بلدا بأهمية الصين ، ليس كثيرا على دولة مثل العراق، تقف على اعتاب مرحلة اعادة بناء وانطلاق جديدة ان يكون الوفد الزائر بهذا الحجم وهذا المستوى ، وهناك ، يبدي الصينيون اهتماما عجيبا واستثنائيا بالعراق، لانهم يدركون اكثر من غيرهم، ان الفرص الاستثمارية الهائلة المتاحة في بلاد النهرين، تستحق ان يسيل لها لعاب التنين الصيني .
ان زيارة عبدالمهدي الى بكين ، بهذا التوقيت وبهذا المستوى، تأتي في ظل ظروف دولية واقليمية متشابكة ، ستمثل مسارا مهما من مسارات طريق الحرير ، الذي تسعى الصين الى زيادة مساراته وفقا للجدوى الاقتصادية التي يوفرها هذا المسار او ذاك، وان نتائج هذه الزيارة التي أتوقعها مهمة، ستثير شهية عواصم اخرى ، يمكن ان تغير مواقفها وتزيد من سرعة سيرها نحو العراق، فهناك الكوريون الذين يراقبون ما يفعله التنين الصيني بدقة ، ويسعون الى تحقيق حالة من التوازن، او تقاسم النفوذ الاقتصادي بين دول المنطقة الغنية، ولا ننسى أيضا اليابانيين، فهم أيضا يعولون كثيرا على العراق، الا أنهم مازالوا يتهيبون الدخول، ربما ينتظرون بلدا اخر، يسبقهم في الدخول ، كيما يفتح لهم الطريق ، ووجود مثل هذا التنافس ، وهذا السباق من شأنه ، ان يتيح فرصة ذهبية أغلى من الحرير، لاختيار الأفضل من بين هذه البلدان الثلاثة، التي تمثل بمجموعها، لغزا حير العالم، لسرعة ما وصلوا اليه من تطور سريع ، على الرغم من انهم ، ليس لديهم مثل الذي لدينا من امكانات ، هم فقط اعتمدوا على عقولهم ، واستثمروها بنحو سليم . نتائج زيارة عبدالمهدي الى الصين على رأس وفد كبير، ضم وزراء ومحافظين، ستكون ذات شأن ، لاسيما، في مجال الطرق والسكك الحديد والسكن والصحة والتعليم ومشاريع الخدمات الأخرى ، ومعالجة العشوائيات ، ففي كل هذه القطاعات ، كان للصينيين باع طويل ، سواء داخل الصين ، او في بلدان اخرى ، ولذلك ، فان مذكرات تفاهم واتفاقيات ، سيتم توقيعها ، وسنكون على موعد مع حضور صيني جديد مختلف كليا عن المرحلة السابقة ، بعد ان اثبت الصينيون ، أنهم اكثر ذكاءً من غيرهم ، عندما لم تتردد شركاتهم في الدخول والعمل في العراق ، على الرغم من الظروف التي واجهها البلد، ومما لا شك فيه، أنهم ينظرون الى زيارة الوفد العراقي الكبير، على انها رسالة تعهد ورغبة عراقية كبيرة ، بفتح افاق واسعة من التعاون المثمر بين البلدين، وهم على استعداد لملء الفراغ الموجود في أي قطاع من قطاعات التنمية المختلفة ، وحضورهم القوي في العراق ، سيسهم في توطين الصناعة والنهوض بالخدمات بسرعة فائقة ، لاسيما ان هذا التطور في العلاقات جاء متزامنا مع مصادقة مجلس الوزراء على قانون مجلس الاعمار، الذي سيتولى ادارة المشاريع العملاقة في عموم البلد ، ومن المؤكد ان البلدان الأخرى سواء التي أشرنا اليها او سواها، ستجر قاطرتها خلف القاطرة الصينية، لكي تنطلق عملية الاعمار وتحقيق التنمية بقوة ، فثمة احلام كثيرة تراودنا في ان نجد مدننا، مثل بكين وشنغهاي وسيئول وطوكيو.. وهي احلام مشروعة ممكنة التحقيق، لو توفرت الشروط والظروف المؤطرة بإطار الإرادة
الوطنية.