إنَّ تنظيم المدن خاصة في مجال البنى التحتية المتعددة هو فن وعلم (هندسة المدن)، ظهر على شكل خطط هندسية في العالم المتمدن أدت إلى تطور المدن عمرانيا في الدول المتمدنة خاصة خلال القرن الماضي وبداية القرن الحالي، فتم وضع الستراتيجيات والخطط الهندسية الفاعلة، من قبل ذوي الاختصاص والمهندسين والخبراء بهدف تهيئة مدن عصرية وحديثة، تضمن لسكانها الحياة الأفضل، وقد كان الانفجار السكاني في العالم هو السبب الرئيسي في وضع خطط تطوير المدن، ومن أهم جوانب هذه الخطط هو إنشاء شبكة من الطرق والمجسرات والأنفاق داخل المدن تحقق جملة من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والتربوية، فمن الأهداف الاقتصادية ضمان قيام نشاط اقتصادي مستمر يتمثل في التنمية المستدامة، لكن هذا النشاط بحاجة ماسة إلى بنى تحتية داخل المدن، وبدون هذه البنى لن يشهد هذا النشاط تطورا وتنافسا إيجابيا، اما بالنسبة للهدف الاجتماعي والتربوي فهو يتمثل في تفاعل سكاني اجتماعي تربوي منتظم، دونه الفوضى والعشوائية.
يقول المهندس الدكتور فلاح صباح الكبيسي وهو معماري ومخطط مدن: “يمكن تعريف التجديد الحضري Urban Renewal هو الإنعاش الحضري أو برنامج لإعادة تطوير الأراضي والعقارات في المدن، من خلال إعادة إعمار المدينة على نفسها، وتدوير مواردها المبنية والأرضية لتتوافق مع المخططات العمرانية”.
إنّ الحملة التي قامت بها
الدوائر المعنية في بغداد والمحافظات لإزالة التجاوزات والعشوائيات، تعد بادرة فريدة من نوعها، ستسهم بشكل فاعل في إعادة تنظيم المدن، وتخليصها من الفوضى التي لحقت بها، لكن في مقابل ذلك لا بدَّ من البدء بنهضة استثمارية عمرانية لتطوير العاصمة والمحافظات.
لقد تولدت ردود فعل متناقضة إزاء هذه الحملة بين مؤيد ورافض لها، ويبدو ان جمهور الرافضين رغم ان بعضهم أصحاب حق لكنهم تعسفوا في استعماله، فليس من المنطقي التجاوز على الاملاك العامة وتشييد المنازل أو بناء المتاجر بحجة الفقر والدخل المحدود وتحميل الحكومة مسؤولية ذلك، فالمواطن الذي يفتقر إلى السكن أو الدخل المناسب ليس من حقه خرق التعليمات والنظم احتجاجا على تلكؤ الحكومة في تهيئة سبل العيش له، بل هنالك طرق قانونية من الممكن أن يتبعها لاستيفاء حقوقه في السكن
والعيش. لكن هل لدى الحكومة خطط بديلة لمعالجة هذه المعاناة ؟
لا بدّ من وجود خطط بديلة لتهيئة السكن والعيش الكريم لكل مواطن يفتقر لهذه الحاجات، اما المواطن الذي يحصل على هذه الحاجات فليس من حقه خرق القانون والتجاوز على الأملاك العامة بهدف الإثراء على حساب المواطنين
الآخرين.
فبعض المتجاوزين على الأراضي التابعة للدولة وعلى الأرصفة وعلى الساحات العامة هم من ميسوري الحال، لذلك على الحكومة متمثلة بوزاراتها المعنية ودوائرها المختصة إجراء كشوفات دقيقة لمعرفة موارد الأشخاص المتجاوزين، بهدف تصنيفهم وتحديد من لا يملك الدخل المعيشي ومن لا يملك السكن بهدف توفير الدخل والسكن المناسبين
لهم.
أما بقاء الحال كما هو عليه فإنّه سيثير استياء وضجة اجتماعية لدى المواطنين المستحقين، وسيدفعهم مرة أخرى إلى خرق الأنظمة والتجاوز على الأملاك العامة وإعاقة الدوائر البلدية والإدارية من تطوير المدن وتطبيق الخطط
الحكومية.