الاعلام العراقي و تحديات الاعلام الجديد

آراء 2019/09/24
...

د.عبد الواحد مشعل
 
تحمل إلينا الألفية الثالثة انجازات معرفية وتقنية إعلامية تعدت بكثير حدود المؤسسات الإعلامية التقليدية عندما أصبحت وسائل الاعلام الجديد متاحة أمام الجميع ،دون أن تكون هناك حاجة الى مهنية إعلامية مقننة، فالغالبية العظمى باتت تستخدم الانترنت والموبايل والفيسبوك والتويتر وغيرها ، وتحقق تواصلا مع أقصى بقاع الأرض بعد أن طوت التقنية الحديثة المسافات وتعاملت مع الزمن باللحظة والثانية لتصل المعلومة أسرع من البرق  الى فرد يسكن في مشارق الأرض من فرد آخر يعيش في مغاربها، ما أتاح فرصة غير مسبوقة من التثاقف بين   المجتمعات الإنسانية، فلم تعد المعلومة تطبخ في مطابخ الرقابة لتصل بعد حين الى المتلقي وقد عدلت على وفق الجهة المرسلة.
لاشك أن هذه التقنية العابرة للقارات والعابرة للتقنيات الإعلامية التقليدية قد قلبت السياسات الإعلامية الموجة رأسا على عقب، فلم تعد الوسائل التقليدية المحلية على  درجة كبيرة من القدرة على اقناع الجمهور بفكرة ما أمام تنامي المعلومات المختلفة المنقولة مباشرة من موقع الحدث بالصوت والصورة وبالكلمة وبالإيقونة المعبرة عن موقف ما.
إن الإعلام الجديد قد شق طريقه متحديا كل الأساليب التقليدية في نقل الخبر أو الصورة أو الكتابة، معلنا أن الأجيال الجديدة قد خرجت من محليتها الثقافية الى مساحات أوسع من الاطلاع على ثقافات وتصورات وأفكار الآخرين دون أن تحدها حدود ،وبهذا كان لهذا التطور التقني المذهل آثاره الاجتماعية والثقافية والسياسية في بنية مختلف المجتمعات، فعملت على تنمية الوعي السياسي الاجتماعي بما يجري في العالم من تطورات اجتماعية وثقافية وسياسية،فلم يعد الفرد العراقي يقبل ما يطرح عليه في الاعلام التقليدي.
لاشك أن الاعلام العراقي شهد توسعا  لا بأس به في مجالاته المختلفة، إلا انه لم يرتق الى مستوى مهني يجعله يؤثر إقليميا ودوليا ، على الرغم من اقتناء أكثر مؤسساته تقنيات متقدمة، كما دخلت الى هذا القطاع الحيوي أعداد كبيرة من غير المتخصصين بعد تلقيها تدريبات معينة ما جعلها تؤدي أدوارا لا ترتقي جميعها الى  مستوى الطموح، وهذا الكلام لا ينطبق على الجميع،فقد تمكن البعض أن يتجاوز أسوار الإعلام التقليدي، ويدخل عالم الإعلام الجديد بأدواته المتنوعة،  وعلى الرغم  من محدودية  هذه المحاولات ، الا  انه افاد من المساحة الواسعة التي أتاحها الاعلام الجديد للجميع  بمستوياتهم المختلفة  للتفاعل مع الثقافات الإنسانية المختلفة ،ما وضع الاعلام العراقي أمام  تحدي التعامل جديد يرتبط بمصداقية وشفافية ونقل الخبر الذي يقبله الفرد العراقي وسط تأثير الأعلام الجديد ، فلم يعد الآن هناك شيء خاف أمام التقدم المذهل لأدوات الأعلام الجديد، كالانترنت والتويتر والواتساب والمواقع الالكترونية وغيرها، فلم تعد هناك أسوار أو حواجز تمنع وصول الخبر الى الإنسان أينما يكون، ما يفرض على الاعلام العراقي الخروج من محليته الى العالمية بتأهيل بشري وتقني يجعله مؤثرا في الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي بلغات مختلفة، معتمدا على الحيادية وتسويق الخبر الذي يتوافق مع وعي إنسان الاعلام الجديد الذي يمارسه أفراد المجتمع متى ما شاؤوا  وما أرادوا وهذا قد وضع الاعلام التقليدي والذي لايزال بعضه يعيش في خانة  الماضي بتراثية إعلامية لم تحظ باحترام وقناعة الإنسان العراقي المعاصر ، فلم يعد الباب مسدودا يحجب عنه المعلومة والخبر القادمة إليه مباشرة على مدار الساعة عبر شبكة الانترنيت وفي كل نواحي الحياة، وهذا يقودنا الى طرح أسئلة محورية منها ما مصير الاعلام التقليدي العراقي بمؤسساته القائمة في  زمن تتنامى أعداد لمستخدمين للاعلام الجديد؟ وهل تتمكن المؤسسات الإعلامية العراقية القائمة  على مواكبة التطورات الهائلة التي يشهدها الاعلام العالمي وقنوات الإعلام الجديد ؟ وهل يتمكن الاعلام العراقي الخروج من القوقعة المحلية بمشاربها المختلفة،    السياسية والثقافية المحلية  الى عالم الوطنية والمواطنة وبلورة خطاب اعلامي  يرتقي الى مزاج الجمهور المنفتح على العالم اليوم؟ وهل يتمكن الاعلام العراقي الخروج من عباءة ثقافته المحلية  العرقية والطائفية والجهويه الى مجال انساني رحب؟ أم سيبقي يسوق توجهاته المحلية ويكررها  باستمرار ؟وهل يتمكن الاعلام العراقي الوقوف بوجه التحديات التي تواجه أخلاقيات المجتمع ،وتقديم البديل الذي يفند كل ما يمكن أن يسيء الى ثقافتنا وتاريخنا؟ وهل يمكن للاعلام العراقي من تطوير نفسه، مؤسسةً وإنساناً في التعامل مع التطور الثقافي والمعرفي الذي يشهده عالم اليوم  ؟ لاشك أن الإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها، ليست سهلة ،فهي تتطلب دراسة واقع الاعلام العراقي ومحدداته المهنية والثقافية، أمام استخدام أبناء المجتمع غير المحدود للاعلام الجديد.
ان الارتقاء بالاعلام العراقي لا يمكن أن يتم إلا من خلال حرية الكلمة والافادة الملتزمة من الحرية التي أتاحها الدستور العراقي لحرية الرأي وكفالته، فضلا عن صقل مهنية الإعلامي واكتسابه معرفة علمية وثقافية واسعة تكسر قوالبه المحلية، وتجعله متفاعلا مع عصر الحداثة، وتطويع منجزاتها التقنية والمعرفية  في بلورة خطاب اعلامي متطور ومتقدم قادر على الوقوف بوجه إي تهديد لثقافتنا ويسد كل الثغرات التي يمكن أن ينفذ منها الأعداء بجميع اشكالهم لضرب القيم المجتمعية العراقية وتهديد الهوية الوطنية الجامعة ، وهذا لا يأتي إلا بحركة تطور اجتماعي وثقافي واقتصادي تنتجه تنمية بشرية عملاقة، يمكن من خلالها  تحقيق هدف مركزين هو إشباع حاجات الإنسان الأساسية بما فيها حاجاته الإعلامية في حياته اليومية.