الإمام علي بن الحسين {ع} مهام قيم حقوق الإنسان وتأهيله لتغيير الحاكم

آراء 2019/09/24
...

د. وليد الحلي
 
إعادة تأهيل الإنسان ليكون واعيا وعالما بمهامه وملتزما للوفاء بعهده، وعارفا بمخططات أعدائه الرامية الى استعباده ومصادرة عقله وإرادته وشجاعته وإقدامه، وتضليله  عما يجري حوله من مكر لإبعاده عن  ممارسة دوره الإصلاحي المطلوب، ذلك من منهج الإمام علي بن الحسين (الملقب بـ: زين العابدين والسجاد عليه السلام) لإعداد الفرد والمجتمع والأمة للسير نحو جادة الحق والرشاد وانتخاب الحاكم الذي يحقق قيم ومبادئ حقوق الإنسان.
عاش الإمام معركة الطف بكل أبعادها وصورها، ولم يشارك فيها لأنه كان معلولا. وشَخّص الإمام الامراض التي انتابت الإنسان في ضعف علاقته مع الله سبحانه وتعالى، وارتجاج المعايير واهتزاز الثوابت القيمية والأخلاقية والسلوكية عنده. 
ولهذا استخدم (ع) الدعاء كوسيلة لإحياء الضمائر وتنقية النفوس من الشوائب وتسخير القلوب القاسية لإعادة العلاقة مع الله والخشية منه، وتغيير الواقع الفاسد ضمن منهج تربوي وأخلاقي عبر عنه في مجموعة من الأدعية نظمت في كتاب الصحيفة السجادية. 
كما ان منهج الدعاء الى الله نجح كوسيلة تبليغية لإصلاح الناس بعيدا عن أجواء الملاحقة من السلطة.
انطلق الإمام في دعائه من مفهوم الاعتذار الى الله بالتقصير في نصرة المظلوم في إشارة الى مظلومية الإمام الحسين (ع) الذي جاء ملبيا لنصرتهم ضد الطاغية يزيد بن معاوية فتركوه نهبا للسيوف في واقعة الطف عام 61 هجرية مع قلة الناصرين له، قائلا: « أَللَّهُمَّ إنِّي أَعْتَـذِرُ إلَيْـكَ مِنْ مَـظْلُوم ظُلِمَ بِحَضْرَتِي فَلَمْ أَنْصُرْهُ، وَمِنْ مَعْرُوف أُسْدِيَ إلَيَّ فَلَمْ أَشْكُرْهُ، وَمِنْ مُسِيء أعْتَذَرَ إلَيَّ فَلَمْ أَعْذِرْهُ، وَمِنْ ذِيْ فَاقَة (فقر) سَأَلَنِي فَلَمْ اُوثِرْهُ (أقدمه على نفسي في ما طلبه)، وَمِنْ حَقِّ ذي حَقٍّ لَزِمَنِي لِمُؤْمِن فَلَمْ أوَفِّـرْهُ» 
الدعاء 38 ‌من‌ الصحيفة السجادية.
ومن منطلق التوعية بالتزامات الإنسان بقيم الحقوق والواجبات الإنسانية ميدانيا وشمولها على نفسه ووالديه وإخوانه وأقاربه والمجتمع والأمة والحاكم إضافة الى التزاماته مع الله عز وجل، كتب الإمام السجاد (ع) خمسين حقا سميت برسالة الحقوق. 
لقد برز الإمام زين العابدين في الحياة السياسية بمهارة فائقة بعيدا عن أعين السلطة في كشف واقع حكم يزيد المخالف للدين والإنسانية من خلال الخطابات العديدة، وفي تحشيد أهالي الكوفة والشام ضد حكم يزيد وتعرية الحكم وتفنيد شائعاته، وفي احياء مجالس مظلومية الإمام الحسين (ع) في كل مكان وبمساعدة عمته العقيلة زينب (ع)، والدعوة لإنشاد الشعر في حق أهل البيت ومظلوميتهم، وفي دعم المعارضة والثورات تحت شعار ثورة المظلومين على الظالمين.
عني الإمام بتخرّج مجاميع من  الفقهاء والعلماء والمبلغين والرساليين، وإرسالهم للعمل  في أرجاء الدولة الإسلامية. 
عرف الإمام بشجاعته وحلمه وتجرده عن الانانية وبكثرة عباداته وتهجده وطول سجوده و مساعدة الفقراء والمحتاجين في السر والسخاء والاحسان الى الناس.
إن النهضة التي قادها الإمام زين العابدين(ع) دعت الى  ضرورة  الالتزام بحقوق الإنسان بعنوانها الشمولي، الذي يشمل الإنسان والمجتمع والسلطة وإطاعة الله سبحانه وتعالى في اوامره ونواهيه، ومعالجة الفجوة التي حدثت في واقعة الطف، وما حدث بعدها من جور الحكام الذين تعاملوا مع الناس كأنهم عبيد لسلطانهم، ومطالبة الأمة بحقوقها في انتخاب الحاكم ومحاسبته،
ودعمه للثائرين والمعارضين للظلم والجور، جعلت الحكام يخافون الامام،  فقرروا قتله بالسم، إذ أمر الحاكم الأموي الوليد  بن عبد الملك بدس السم له فاستشهد في 25 محرم عام 95 هـ وعمره 57 عاما.