العراق والصين ثمَّة من يبحث عن الحلول الواقعيَّة شرقاً

آراء 2019/09/25
...


علي حسن الفواز
 

تحمل زيارة السيد رئيس مجلس الوزراء الى الصين أكثر من رسالة سياسية واقتصادية، وباتجاهٍ يجعل هذه الرسائل تكتسب توصيفا واقعيا وعملياتيا، وبعيدا عن المزايدات والحساسيات التي قد يراهن عليها البعض
، ففريق العمل المشارك في هذه الزيارة ضمَّ أطيافا سياسية وإدارية متعددة، كما أنّ البرنامج تعاطى مع هدف محدد وهو مايتعلق بالبنى التحتيّة وبرامج معالجة مشكلاتها البنيويّة المعقدة، فضلا عن طبيعة التوقيت الذي أجده مهما في سياق الحسابات السياسية، إذ تشهد منطقة الخليج توترا أمنيا وسياسيا غير مسبوق، وتصاعد المواقف الاميركية الداعمة لهذا التوتر، وهو مايُعطي انطباعا بأنّ الانفتاح على الاقتصاديات الصينية يملك مرجعيات مهمة، أولها سهولة التعامل مع الجانب الصيني وبدون شروط وسياسات معقدة، ثانيها هو استقرار الاقتصاد الصيني ومحدودية تأثره بالازمات الكبرى، على الرغم من طبيعة التجاذبات التجارية مع الولايات المتحدة، ثالثها هو تاريخ العلاقات الصينية العراقية العميقة ودور الصين الواضح في تنميتها وفي الحرص على توطيدها، رابعها مواقف الصين الواضحة في دعم القضايا العربية، ومنها مايتعلق بالعراق
، وهو مايُعطي بهذه العلاقة بعدا ستراتيجيا مهما، خامسها هو رخص الاسواق الصينية قياسا الى الاسواق العالمية الأخرى، وهذا مايعزز تأمين أكبر قدر من احتياجات السوق العراقية، ولكلِّ  مايعزز البنى التحتية من هذه الاحتياجات، لاسيما أن الصناعة الصينية معروفة ومتداولة في الاسواق العراقية بدءا من الملابس وانتهاء بأعقد التقنيات الكهربائية والتكنولوجية، سادسها هو سهولة التبادل التجاري بين العراق والصين، على مستوى الدفع بالآجل، أو على مستوى مقايضة تنظيم عملية الاستيراد بمقابل النفط 
العراقي..
 
محافظون ووزراء
مشاركة أغلب محافظي المحافظات العراقية في الوفد الرئاسي يكشف عن الطابع العملي لهذه الزيارة، ولامكانية معالجة مشكلات البنى التحتية التي تعاني منها تلك المحافظات، عبر التعرّف عليها، ووضع خطط إطاريّة لتيسير مشاركة الجانب الصيني في تنفيذ البرامج الستراتيجية في تلك المحافظات، وعبر امكانية التنفيذ المباشر من الشركات الصينية، وضمن سقوف زمنية محددة، كما أن وجود بعض الوزراء ضمن الوفد سيسهم في توسيع مديات المشاركة، والتبادل الثنائي بين الدولتين، وفي مجالات تخص السياسة والأمن، مثلما تخص الاقتصاد 
والتجارة.
التفكير العملي بمعالجة مشكلات البنى التحتية العراقية عبر الابواب الصينية، هو خطوة أكثر واقعية من خطوات سبقتها، ومع دول لها اقتصاديات راسخة وكبرى مثل المانيا واليابان، وحتى الولايات المتحدة، لكنّ تعقيدات الظروف السياسية والأمنية، وخطورة ظاهرة الفساد المستشري في الواقع العراقي هو مايجعل هذا الانفتاح بعيدا عن التنفيذ، ومدعاة لعزوف كثيرٍ من الشركات العالمية عن العمل في العراق، ولتبريرات شتى، واحسب أن أخطرها هو الفساد، وتهديد جهات معينة لهذه الشركات، ومن ثمّ دفعها لإلغاء العقود او مغاردة العراق من دون تنفيذ البرامج والاتفاقات 
معها.
هذا الواقع يضعنا أمام واقعية المواجهة، وأمام مسؤوليات البحث عن معالجات جادة تتجاوز كلّ العقد والملابسات التي وضعت الموازنات العراقية في مهب الريح، وأمام ظاهرة فساد عاتية من الصعب مواجهتها
، لاسيما في المحافظات، وأحسب أن وجود المحافظين ضمن الوفد سيكون عاملا مساعدا للتعرّف على مشكلات محافظاتهم وطبيعتها، ووضع الخطط العملياتية بالمشاركة مع الجانب الصيني، فضلا عن وضع الوزارات المعنية في اطار هذا الأفق، وضمن برامج وسياسات تدعم عمل الوزارات، وتخفف من أعبائها، وتقلل من هامش التبرير الذي كثيرا مانسمعه، والذي يتعلق بعدم قدرة تخصيصات الموازنة لمعالجة مشكلاتهم، رغم أن جزءا كبيرا من تلك التخصيصات تذهب الى مشاريع متلكئة، والى برامج غير واقعية
، وغير ذات جدوى، وهو ماينعكس على واقع عمل المؤسسات، وعلى تنفيذ السياسات التي تخص أبنيتها الاقتصادية، ومشاريعها التنموية والخدمية بما فيها برامج الصحة والتعليم والبناء 
وغيرها.
 
الزيارة ومابعدها
إذا كان الكثيرون قد وضعوا رهانا كبيرا على هذه الزيارة، ومنهم رئيس مجلس الوزراء ذاته، فإنّ الهدف الكبير سيكون قرينا بما سيتحقق منها، وبما يمكن تنفيذه، والقدرة على تهيئة بيئة سياسية واقتصادية وأمنية، وحتى برلمانية لانجاحها، ولمتابعة ومراقبة ما يمكن أن يتأتّى منها، ليس لابطال الحجة كما يقول الكلاميون، بل للكشف عن واقعية الفساد في البيئة السياسية العراقية، فالجميع الذي يراهن علنا على العمل، وعلى ضرورة كشف الفاسدين سيجد نفسه في السياق الذي يتطلب عملا جادا، وبرامج واضحة، واهدافا واقعية وعقلانية للنهوض بالحياة الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية والثقافية للمحافظات العراقية، ومنها محافظة بغداد ذات التعداد السكاني الكبير، وذات الاحتياجات 
الاكبر.
إنّ التخطيط لمابعد زيارة الوفد الرئاسي الى الصين لايقل شأنا عن برنامج الزيارة ذاتها، مثلما هو الرهان الحقيقي على نجاحها، وعلى حرص الجميع، ومنهم المحافظون على أن يكونوا بمستوى المسؤولية، وبمستوى تحديات تجاوز عقدة (الخراب) و (الفشل) الذي تعاني منه 
محافظاتهم.
وبقدر ما يضع البعض آمالاً كبيرة على هذه الزيارة، وعبر طبيعة الوفد الكبير الذي رافق رئيس مجلس الوزراء
، فهناك منْ يُشكك بجدواها واهميتها، لأن معطياتها ونتائجها ستصطدم بالواقع العراقي، وبالصراع السياسي بين الفرقاء، وربما بمواقف متقاطعة داخل مجلس النواب، إذ سيندفع بعض النواب للتلغيز والتلميز حول ما جرى، وحول 
ماسيجري..