في فيلم الرسالة يظهر مشهد وصول المسلمين الى آبار بدر قبل المشركين، أهمية الماء لا النفط بالتأكيد. كان المال محمولا على ظهور جمال قافلة ابي سفيان الرأسمالي الاكثر حضورا بين جميع قادة مكة. رجل له جاه عريض، يدخل على ملوك زمنه كثريٍّ متمرّس بضبط طرق سير القوافل التي تقطع المسافات الطويلة، من مكة الى بلاد فارس وأرض الروم والحبشة. ومن خلال شبكة طرق وولاءات قبليّة نظمها رأسمالي قريش الاخطر ابو سفيان واعوانه من اثرياء قريش، كانت رحلات التجارة تصل سالمة. لكن ماذا حدث؟
.
تجمّع المسلمون عند آبار بدر بعد ان ارادوا الاستيلاء على قافلة ابي سفيان. وبعد ان خرج المشركون تغير الامر. تروي سورة الانفال بدقة الوضع العام قبل المعركة واثناءها وبعد نهايتها.
لقد تغير الوضع كثيرا، فالنبي (ص) بعد نجاحه في تنظيم حياة بسيطة، يغلب عليها مفهوم المساواة ومفاهيم الاخوة صار تهديدا لقوافل مكة. هذه القضية أقلقت جميع رجال المال القرشيين، ومن هنا كان لا بدَّ من خوض معركة كي تعود حركة القوافل على طبيعتها، عبر صحارى تمتد مئات الكيلومترات. وبالفعل حدثت معركة بدر وانتهت بهزيمة المشركين ونجاة القافلة. لم يفضّل الرأسمالي المحنّك الذي لا يقل عن ترامب خبرة في عالم التجارة، ان يلتحق بقادة مكة الذين تجمّعوا لحرب النبي. فهذا الترامبي المليء بمطامح السيطرة واعلاء قيمة المال، لأنه اداة للحكم انسحب ليلا بعقليّة تاجر معاصر ليفلت من قبضة النبي (ص). وهذا ما يعد في عرف ذاك الزمان الجبن بعينه. لكن رأس ابي سفيان كرجل اعمال لا يفكّر كما يفكر اي عربي آخر في جاهلية تحكمها فكرة الثراء، الذي يجعله نظيرا لملوك زمانه. وهكذا كان قادة مكة يفكّرون.
أظن أنّني وصلت الآن الى هدف واضح جدا. فما حدث من هجوم بطائرات مسيرة على منشأتين نفطيتين في بقيق وهجوم خريص لم يكن عملا عاديا أبدا.
نحن الان امام آبار نفط في احد اكثر الاماكن اهمية في العالم. فلدى السعودية خزين نفطي كبير وصناعة نفطية جيدة اذ يعد معمل تكرير النفط في بقيق التي استهدفها الهجوم واحدا من اكبر المعامل في العالم. وما اود قوله ليس المقارنة الشكلية بين شخوص الحادثة القديمة او الجديدة. لكني اريد الاشارة الى الموقف الدولي الذي تبلور الآن ذلك لان العالم كان سيتضرر لو ان الهجوم اصاب آبار أرامكو بأضرار
بليغة.
لقد انتبه العالم بعد الهجوم الى ضرورة حماية آبار النفط رغم كل الظروف. فمصالح الدول جميعا ترتبط بالبترول ونقله الى اوروبا، عبر مضيق هرمز. لكن الطائرات المسيرة صنعت ما يشبه المفاجأة التي دفعت الولايات المتحدة الى التفكير بعمل عسكري ضد اهداف منتخبة في ايران او سوريا. لا بدّ من تأمين طريق قوافل النفط من لحظة انتاجه الى تصديره في رحلة آمنة.
سيتعيّن على ترامب أن يكون هو أبا سفيان الجديد ليؤمّن طريق القوافل ويجنّبها أيّة خسارة أو هجمة قد تعصف بها من هذا الجانب أو من
ذاك.