هل ينجح الاستنساخ الجمهوري لمجلس الإعمار الملكي؟

آراء 2019/09/25
...

عبد الحليم الرهيمي
 

بعد موافقة مجلس الوزراء يوم الثلاثاء قبل الماضي (17 - 9) على مشروع قانون تأسيس مجلس اعمار (جديد) أحيل الى البرلمان لمناقشته واتخاذ القرار الذي يراه بشأنه.
إنّ التوجه بإقرار وتشريع هذا القانون لتأسيس مجلس إعمار جديد على غرار مجلس الإعمار الملكي هو بمثابة استنساخ جمهوري لهذا المجلس، كما يرى العديد من الاقتصاديين والسياسيين .. فهل سيحقق وينجز المستنسخ ما حققه وأنجزه ذلك الملجس في ست سنوات؟ 
لقد تأسس مجلس الإعمار في العهد الملكي بالقرار الوزاري رقم 7 لسنة 1950 وتعديلاته في السنوات التالية: وهو القرار الذي تبلور من فكرة احساس قادة النظام السياسي والنخبة السياسية آنذاك بضعف وبطء تطور البلاد الاقتصادي والعمراني والمجتمع نتيجة لضعف الموارد المالية وعدم تلبية القوانين والأنظمة السائدة آنذاك لمتطلبات ذلك التطور، ولذلك كانت الاهداف الرئيسة لتأسيس ذلك المجلس تتجلّى في السعي لتركيز اعمال التنمية الاقتصادية في هيئة واحدة بدل تشتتها في مختلف الوزارات، والتأكيد على المشاريع الستراتيجية العامة كالبزل والمواصلات والبنى التحتية الاساسية للنهوض العمراني بالعراق ومكننة الزراعة وتوسيع الخدمات العامة للمواطنين، وتوفير فرص العمل للعاطلين ورفع مستوى دخل الفرد لتحسين حالته المعيشية.
ولأنّ العراق لم يكن لديه الموارد المالية الكافية لانجاز المشاريع الطموحة للمجلس عند تأسيسه العام 1950 إذ كانت واردات العراق من النفط لا تتعدى الثلاثة ملايين دينار عراقي، غير أنّ تمكن حكومة نوري السعيد آنذاك من عقد اتفاقية ثنائية مع احدى الشركات النفطية عام 1951 ووافق عليها البرلمان العام 1952 ارتفعت واردات العراق من بيع النفط الى 50 مليون دينار عراقي اي ما يعادل 50 مليون باون استرليني. وبدءاً من ذلك العام باشر مجلس الاعمار الذي كان يترأسه نوري السعيد نفسه وست من الشخصيات المتخصصة والكفوءة تمكن ان ينجز خلال الفترة ما بين 1953-1957 العديد من المشاريع المهمة التي تم افتتاحها في ذلك العام منها، إنشاء جامعة بغداد، وزارة التخطيط، مشروع المصب العام، سلسلة الطرق الدولية السريعة الرابطة بين العراق وسوريه والاردن، فضلا عن بناء السدود العملاقة مثل: سدي الموصل وحديثة ومشروعي سد دوكان ودربندخان، وكذلك بناء جسور في بغداد والموصل وفي عدد من المدن العراقية، هذا فضلا عن إقامة العديد من المصانع منها: الاسمنت، السكر، النسيج، النفط والغاز، محطات الطاقة الكهربائية، طرق برية وسكك حديد .. فضلا عن مشاريع الاسكان وغيرها ...
لقد أنجز مجلس الاعمار الملكي كل تلك المشاريع وغيرها خلال ست سنوات وقبل عام واحد من الإطاحة بالنظام الملكي في 14 تموز 1958 الذي ورغم إلغائه ذلك المجلس غير أنّ المشاريع التي وضعها في برنامجه جرى تنفيذها في السنوات 
التالية.
إنّ الأسئلة الكبيرة والمهمة التي تطرح هنا هي: كيف تمكن مجلس الاعمار الملكي وفي فترة قصيرة، وبإمكانات وموارد مالية متواضعة (رغم مقارنتها بالافضل في السنوات التي سبقت البدء بتنفيذها) ان يحقق وينجز تلك المشاريع المهمة والضخمة التي بقيت آثارها شاخصة للعيان حتى الان وينظر اليها بفخر واعتزاز كبيرين؟؟ 
لا شكّ أنّ جملة من العوامل والاسباب هي التي شكلت البيئة والظروف المناسبة لنجاح مجلس الاعمار الملكي في انجاز مشاريعه ومن ابرزها 
واهمها : 
-الشعور العالي بالمسؤولية والروح الوطنية الرفيعة لدى المتصدين لمسؤولية حكم العراق وادارة مجلس الاعمار آنذاك.
- انعدام حالات الفساد او وجوده بشكل متدنٍّ وغير منظور.
-عدم وجود مجالس محافظات وادارات محلية في المحافظات لديها (لجان اقتصادية) وتتصارع على الامتيازات والمصالح الحزبية والشخصية والفئوية دون الاكتراث والاهتمام لمصالح المواطنين ومصالح العراق.
-عدم وجود جماعات مسلحة خارج سيطرة الدولة تعرقل وتعيق تنفيذ مشاريع وخطط مجلس الاعمار.
-عدم وجود سطوة لتحكم العشائر خارج منظومة قوانين الدولة ولا يسمح لها بامتلاك سلاح منفلت يعيق انجاز مشاريع
المجلس.
تلك العوامل والاسباب الرئيسة التي حققت ووفرت البيئة المناسبة والصالحة لتمكن مجلس الاعمار الملكي من انجاز مشاريعه وخططه، هل يمكن تحقيقها وتوفيرها بالظروف الراهنة؟ وهل سيتمكّن وينجح مجلس الاعمار الجمهوري المستنسخ من مجلس الاعمار الملكي، ان يحقق وينجز - ولو جزءاً بسيطاً ومتواضعاً - عما انجزه ذلك المجلس؟. 
إنّ الكثيرين من الاقتصاديين والسياسيين لا يعتقدون بإمكانية تحقيق ذلك لسبب رئيس وهو انعدام امكانية توفير البيئة المناسبة، وان نجاح مجلس الاعمار الجمهوري المستنسخ يحتاج الى معجزة لتحقيق ذلك، بعصر لا يحظى بعطف
المعجزات؟!