مذكرات تفاهم عديدة ولجان مشتركة بمختلف الميادين: في التجارة والمال والاستثمار والإعمار والأمن والخارجية والتعليم والتربية والثقافة، حصيلة مباحثات الوفد الرسمي العراقي برئاسة السيد عادل عبد المهدي للصين
، والصين شريك مناسب وحليف ملائم للعراق في الوقت الحالي، فالصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، ويتوقع أن تصبح الأضخم بين 2020- 2030، وأسرع نمو اقتصادي في الثلاثين سنة الأخيرة بمعدل 10 بالمئة، وهي أكبر مصدر وثاني أكبر مستورد، ونعتقد بأن الشراكة معها بصورة جدية وعملية ستنعكس إيجاباً على اقتصادنا، لا سيما إذا أعطينا الأولوية للاستثمارات الكبرى وإقامة المشاريع الخدمية والإنتاجية، فالعلاقة مع الصين باقتصاد ريعي أحادي يعتمد بصورة رئيسة على عائدات البترول لن يكون مجدياً، لذلك ينبغي الاهتمام بقطاعات الزراعة والصناعة وهي التي أسهمت مباشرة ببناء الاقتصاد الصيني، لا أن نكتفي بعلاقات تجارية أحادية أيضاً، استيراد بلا تصدير.
العديد من الشركات العالمية والمحلية تقوم على تصنيع سلعها في الصين، لقلة التكاليف، بما فيها الشركات الأميركية التي تضررت مؤخراً بسبب الحرب الاقتصادية التي شنتها الولايات المتحدة على الصين وارتفاع نسب التعريفات الجمركية المتبادلة، على الرغم من تمتع الصين بعلاقات انفتاح واسعة مع أميركا، فالصين وقفت إلى جانب أميركا في الحرب العالمية الثانية
، لكن بعد تحولها إلى الشيوعية بقيادة ماو تسي تونغ أصبحت ثاني أخطر عدو لها بعد الاتحاد السوفياتي،
ووقفت ضدها في الحرب مع كوريا ومع فيتنام، ثم عادت العلاقات بصورة طبيعية بعد حملة الإصلاح في سبعينيات القرن المنصرم، لكن ترامب فجر حرب التعريفات الجمركية في العام 2018م، نريد القول إن الاقتصاد الصيني رقم صعب في المعادلات الدولية وهو قرين الاقتصاد الأميركي، إن لم نقل منافسه الأخطر، فكيف يتسنى للعراق التعامل مع هكذا
شريك؟
هل بمزيد من إنتاج السلع ثم استيرادها؟ أم بإقامة وإعادة تأهيل البنى التحتية للمصانع؟ هل بالمزيد من استيراد السلع الزراعية والصناعية؟ أم بإقامة المشاريع الزراعية والصناعية الكبرى وتوظيف الموارد والطاقات
العراقية؟
لا يمكن لاقتصاد سلبي على وفق المعايير الدولية كالاقتصاد العراقي أن يجاري اقتصاداً إيجابيا بمجرد توقيع اتفاقات ثنائية، نحتاج إلى شراكة استراتيجية نستفيد خلالها من التجربة الصينية، فعلاقات العراق بالصين تمتد إلى أكثر من ستين عاماً، وبالإمكان استثمار الفرصة بأقصى الدرجات، بعد كل ما عانيناه من تراجع واضح على مختلف المستويات، علينا أن نفسح المجال للصينيين بشراكات حقيقية لإعادة إعمار العراق والتأسيس لنهضة حضارية في الخدمات والتطور الصناعي والزراعي ومشتقات النفط وغيرها، لا أن تبقى مذكرات التفاهم مجرد أرشيف ووثائق دبلوماسية لتحسين صورة العلاقات بين البلدين، فالزيارة بهذا الوفد الكبير ليست مجرد نشاط دبلوماسي إنما هي رسالة بليغة عن استقلال القرار العراقي ورغبة الدولة في بناء البلد بعيداً عن التبعيات التقليدية التي تحاول الهيمنة على
مقدراتنا.