حفلات العرس الجماعي تلقى رواجاً في لبنان

اسرة ومجتمع 2019/09/27
...

بن هوبارد
ترجمة: ليندا أدور
تعالت أصوات الموسيقى الكلاسيكية مع نزول العروس من سيارة بيضاء اللون على سجادة حمراء، تأبّطت ذراع العريس الذي ارتدى بذلة التوكسيدو، ليجتازا الممر بابتسامة عريضة تعلو وجهيهما محاطين بالاهل والاقارب المحتفلين بهم. كذلك فعلت العروس التي بعدها والتالية والتالية. ومع وصول العرسان (34 ثنائيا) الى حيث يجلسون، بدأ بطريرك الكنيسة المارونية، بردائه القرمزي، وهو يمسك بصولجان يعلوه صليب ذهبي، بمراسم القداس ليعلنهم زوجا وزوجة.
كان ذلك هو العرس الجماعي الرابع في لبنان خلال ثلاثة أسابيع، والذي غدا يمثل ظاهرة اجتماعية بدأت تتنامى في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط
ككل. 
في منطقة، لا يزال الزواج يمثل فيها قيمة عليا، لكن الضغوط الاقتصادية وتكاليف الزواج المرتفعة، التي أثقلت كاهل العديد من الثنائيات، لتسمح بذات الوقت، بتدخل المحسنين والمتبرعين من خلال رعاية تلك الاحتفالات وعلى نطاق واسع للدفع باتجاه التشجيع على تزويج 
الشباب.
 
سياسة ودين وديموغرافيا
وهنا، يبرز للسياسة والدين والديموغرافيا المعقدة في لبنان دور كبير، كونه بلدا يضم أكثر من 11 طائفة رسمية معترف بها، إذ ترعى الاحزاب السياسية حفلات الزفاف الجماعي للشباب من أجل تقوية الشعور بالانتماء والعرفان لديهم. 
قبل الحفل الماروني ببضعة أسابيع، رعى حزب الله زفافا جماعيا ضخما لـ 31 ثنائيا، والذي عُدَّ مصغّرا مقارنة بالعرس الجماعي الذي أقيم في لبنان في وقت سابق من العام الحالي، إذ شهد زفاف 196 زوجا برعاية من رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس.
في العام 2015، رعت دولة الامارات العربية المتحدة عرسا جماعيا لـ 200 ثنائي هناك، تبعتها بشهرين فقط، تركيا، والتي رفعت من قيمة الرهان، من خلال تمويلها حفل زفاف لـ 2000 ثنائي حضره مسؤولون من حماس.
تجتذب حفلات الزفاف الجماعي الكثير من الشباب من الراغبين بالزواج لكن تنقصهم القدرة على تحمل تكاليفه، او ربما لديهم الرغبة في انفاق أموالهم في مجالات آخر كبناء منزل او البدء بمشروع عمل. 
يقول روني أبو زيد (35 عاما)، كان واحدا من المشاركين في العرس الماروني الجماعي، الذي أقيم ببلدة بكركي القريبة من شاطئ البحر الابيض المتوسط، شمالي بيروت، مقر الكنيسة المارونية، “لقد اهتموا بكل شيء، بارك الله
فيهم”.
أما زيد، وهو جندي، فقد كان من الصعب عليه أن يدّخر من مرتبه مبلغ 20 ألف دولار لغرض تجهيز منزل وإقامة حفل عرس خاص به، لذلك كان سعيدا بانضمامه للحفل الجماعي، بقوله: “لو كنا قد تزوجنا في مكان آخر، لعانينا 
أكثر”.
 
عريس مع منزل وعمل
يشير فادي جرجس، مسؤول في الرابطة المارونية، وهي مجموعة غير ربحيّة مرتبطة بالكنيسة، إذ تشكل طائفة الموارنة ما نسبته 36 بالمئة من سكان لبنان، بأنّه أمر طبيعي ان تبادر الأقليات على تشجيع شبابها على الانجاب في بلد للديموغرافيا فيه تأثير على سلطته. 
“عندما يخالج أي مجموعة عرقيّة شعورٌ بالخطر، تلجأ الى التعاون والتكاتف، وعندما يرون أن أعداد الجانب الآخر في تصاعد، يظنون أنّهم ربما يمكنهم “وضع حصاة للحيلولة دون حدوث الانهيار الارضي”.  
حفل الزفاف لهذا العام، هو العاشر الذي تقيمه المجموعة على مدى 11 عاما، ليصل عدد الثنائيات الذين تزوّجوا الى 274، وقد أسفرت تلك الزيجات عن ولادة أكثر من 100 طفل وشهدت ثلاث حالات طلاق فقط.
بعد تقديمهم طلب الانضمام الى الحفل الجماعي والذي يشترط فيه أن يمتلك العريس منزلا وعملا، يحصل العروسان، مجانا، على بذلة للعريس وفستان زفاف للعروس، الى جانب بطاقات الدعوة والزهور ومبلغ 2000 دولار نقدا. خلال مراسم الحفل، يتقدم الثنائيات واحد تلو الآخر، لينطقوا بكلمة “نعم” أمام البطريرك، بينما يتعالى تصفيق وأهازيج الاهالي الحاضرين. 
 
زائدة دوديَّة
في ذات الاسبوع لزواج بكركي، تجمع 19 زوجا (عريس وعروس) بمنتجع بلدة الجية الشاطئية جنوبي بيروت، في عرس جماعي آخر نظمته “واحة الأمل”، مجموعة تطوعية تابعة لحركة أمل اللبنانية. 
تقول فاطمة قبلان، منظمة الحفل وعضوة في المجموعة، بأنّ أكثر من 300 ثنائيا تزوجوا في 12 عرسا جماعيا خلال سنوات، “ان لم نقدم لهم المساعدة لبناء منزل الأسرة وتجهيزه بالأثاث والأجهزة الضرورية، سيلجؤون الى الدين وسيؤدي بهم ذلك الى الفشل”.
عجَّ المكان بفرقة رقص وقرع للطبول وقلوب حمراء عملاقة، والكل يتسابق لالتقاط الصور مع العرسان الجدد. 
أعرب علي علاء الدين، عن امتنانه لاقامة العرس الجماعي لعدم تمكنه وزوجته من تحمّل تكلفة شهر العسل.
أما عبدالله دبوق، (26 عاما) عريس آخر في الحفل، تحدث عن كيف أسرت زوجته انتباهه من أول نظرة عندما رآها في المستشفى حيث نقل بسبب التهاب الزائدة الدوديّة وكانت تعمل هي كممرضة. “حال خروجي من المستشفى وتمكني من السير على قدمي، ذهبت للتعرّف على عائلتها وخطبتها”، يقول علاء الدين بأنّهما تبادلا الاحاديث عبر الفيسبوك لأشهر قبل ان تتم خطبتهم رسميا، لافتقارهم الى المال ليقيموا حفل زفاف كبيرا، “انها القسمة والنصيب” تقول عروسه، نور عواركة (20 عاما)، “أشكر الله على التهاب الزائدة الدودية” يختتم علاء الدين حديثه. 
 
*صحيفة نيويورك تايمز الأميركية