لماذا العنف ضد المرأة؟
آراء
2019/09/27
+A
-A
جورج منصور
في بادرة تحسب له، اطلق رئيس جمهورية العراق برهم صالح، يوم 15 ايلول 2019 مشروع قانون لحماية الأسرة من العنف وخاصة النساء والفتيات والاطفال، هدفه دفع الاذى عن الضحايا ومناهضة العنف بكل الاساليب والسبل، باعتبار انه يتقاطع مع القيم الاجتماعية والتعاليم الدينية السمحاء ومع ما جاءت به الآيات القرأنية.
تعتبر منظمة الأمم المتحدة ان العنف الذي يمارس ضد المرأة، هو: “اي فعل عنيف تدفع اليه عصبية الجنس ويترتب عليه، او يرجح ان يترتب عليه، أذى او معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية او الجنسية او النفسية، بما في ذلك التهديد بافعال من هذا القبيل او القسر او الحرمان التعسفي في الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة او الخاصة”.
لقد بات العنف ضد المرأة ظاهرة تؤثر في مصداقية وسمعة العراق في المحافل الدولية، بعد ان تصاعد بوتائر سريعة في السنوات الاخيرة. وزادت بعد عام 2003 جرائم “ الشرف” والقتل “غسلا للعار” تزامنا مع انهيار الاوضاع الامنية وتزايد العنف الطائفي والانقسامات المجتمعية في البلاد. ويعتبر العنف الاسري ضد النساء امرا تحاول المؤسسات الحكومية المعنية إخفاءه وعدم الاعلان عنه، بينما تقيد الاعراف العشائرية والتقاليد البالية في المجتمع بحصره في دائرة مغلقة وعدم اثارته او تقديم الدعاوى الخاصة يه الى المحاكم المختصة.
لقد اصبحت ظاهرة انتحار النساء في العراق مقلقة وفي تزايد، وهي في نهاية المطاف تعكس حقيقة ازدياد العنف الاسري تحت طائل تأثيرات الوضع الاقتصادي والمعاشي المتردي وعدم تكافؤ الفرص والبطالة واستلاب حرية المرأة، إضافة الى عمليات الارهاب التي طالت حيواتها ودمرت آمالها ومستقبلها.
وكانت قد توفيت في بغداد، خلال آب وأيلول 2018، ولإسباب مجهولة، خبيرة التجميل رفيف الياسري، وبعد أسبوع توفيت رشا الحسن (إعلامية وصاحبة مركز للتجميل في بغداد) ثم اغتيلت الناشطة العراقية سعاد العلي في أحد أبرز المناطق التجارية بالبصرة، بعدها اغتيلت ملكة جمال بغداد ووصيفة ملكة جمال العراق لعام 2015 تارة فارس، من دون أن تعلن وزارة الداخلية أو الجهات الأمنية المسؤولة الأسباب الحقيقية وراء ذلك.
وعلى رغم توقيع العراق على اتفاقيات دولية ومواثيق لحقوق الانسان وموافقته على اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) في عام 1986 وكونه طرفا في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وكذلك في اتفاقية حقوق الطفل، ولديه دستور يؤكد على: “تمنع كل اشكال العنف والتعسف في الاسرة والمدرسة والمجتمع” حسب ما جاء في المادة 29(4). بيد ان العراق اخفق في معالجة ملف مناهضة العنف ضد المرأة.
وتشكل بنود بعض المواد في الدستور العراقي وقوانين اخرى كذلك، عقبة كأداء في حل الإشكالات المتعلقة بحقوق المرأة. إذ تبيح المادة 41 من قانون العقوبات العراقي المرقم 111 لعام 1969 للزوج بمعاقبة زوجته: “تأديب الزوج لزوجته في حدود ما هو مقرر بمقتضى القانون”. بالمقابل ليست هنالك قوانين نافذة ورادعة للجريمة المرتكبة بدوافع “الشرف” لا بل ان المادة 130 من الدستور العراقي تقضي بتخفيف عقوبة من اقترفها.
وإن قامت الحكومة الاتحادية في عام 2013 بوضع ستراتيجية وطنية لمناهضة العنف ضد المرأة، إلا انه لم تجر اصلاحات تشريعية ولم يصدر قانون خاص لحماية الاسرة والحد من العنف ضد المرأة. بيد ان حكومة اقليم كردستان قامت في عام 2004 بحظر الاحكام المخفضة لمرتكبي جرائم “الشرف”. واسست في العام 2007 اللجنة العليا لمناهضة العنف ضد المرأة، ترأسها رئيس الوزراء السابق نيجيرفان بارزاني، وكان لي شرف العضوية فيها، وزيرا لمنظمات المجتمع المدني في حكومة الاقليم. وعلى ضوء اللجنة استحدثت محاكم خاصة للتعامل مع العنف الاسري.
وفي عام 2011 اقر البرلمان الكردستاني قانونا لمناهضة العنف الاسري، لمعالجة الزواج القسري والزواج المبكر وختان الاناث وقضية الانتحار بسبب العنف الاسري والمعاشرة الزوجية بالاكراه. وقامت حكومة الاقليم بالاعلان عن ستراتيجية لتطوير اوضاع المرأة وتمكينها للفترة (2013- 2019)، إضافة الى الستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة في الاقليم (2012- 2016). ورغم كل تلك التشريعات والقوانين، إلا ان العنف ضد المرأة ما زال يشكل تحديا كبيرا يخدش سمعة الاقليم.
وفي الوقت الذي يصعب فيه الحصول على معلومات دقيقة من الجهات الرسمية المختصة في الحكومة الاتحادية عن ضحايا العنف وحوادث القتل التي تطول النساء وحالات الانتحار التي تنهي حيواتها والعنف الذي يمارس ضدها، تقوم حكومة اقليم كردستان، من خلال المديرية العامة للعنف ضد المرأة، بتقديم حصيلة الحوادث الخاصة بالعنف ضد المرأة، كل ستة اشهر، معززة بالارقام والتفاصيل المطلوبة.
في بيان وجهته منظمة “اليونيسيف” التابعة للامم المتحدة، لإنهاء العنف ضد النساء في العراق، تشرين الثاني 2018 اكدت على ان “لا تزال النساء والفتيات من خلفيات مختلفة في العراق عرضة للعنف إن كان في المنازل او في المدرسة او في الاماكن العامة”. وبحسب دراسة اجراها صندوق الامم المتحدة للسكان ان “63 في المئة من حوادث العنف القائم على النوع الاجتماعي في العراق مرتكبة من قبل احد افراد الاسرة”. واضافت الدراسة: “ان التهديد ومخاطر العنف مازالت قائمة ضد النساء والفتيات، لا سيما العنف الجنسي والاستغلال الجنسي والمضايقة، وزواج الاطفال في مناطق النزوح، وتلك التي يعود اليها النازحون، إذ يتم تزويج فتيات بعمر 12 سنة”.
كما تبعث الارقام والاحصائيات التي اعلنتها المديرية العامة للحد من العنف ضد المرأة في اقليم كردستان، الجمعة (26 تموز 2019)، عن مقتل وانتحار 55 امرأة في النصف الأول من عام 2019 القلق والارتياب، لما وصلت اليه اوضاع المرأة الكردستانية، إذ قتلت 22 امرأة وانتحرت 32 آخريات. وفي صباح الاول من ايلول 2019 أفرغ (ئاكو قاسم) 6 رصاصات في جسد زوجته (شادية جاسم) امام محكمة اربيل وارداها قتيلة، ثم سلم نفسه للشرطة في مدينة أربيل.
ان بعض قوى المجتمع الذكوري ترفض حقوق المرأة، وتعمل على سلب حريتها والحيلولة دون مساواتها بالرجل، والدفع بها إلى الصف الخلفي لإضعاف حريتها من خلال الادعاء بـ “غسل العار” و”تطهير الشرف”. وتشير الاحداث اليومية إلى تنامي ظاهرة قتل النساء في العراق، وهي لعمري ظاهرة خطيرة ينبغي التعجيل بوضع حدٍ لها، من خلال تكثيف العمل لإعادة بناء الإنسان وتثقيفه وفق الأسس المدنية والتنوير الديني والاجتماعي وتنشيط دور المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني في عملية مكافحة الآفات الاجتماعية القديمة والعادات والتقاليد البالية التي تتناقض مع تعاليم الأديان السماوية ولوائح حقوق الإنسان الدولية وحقوق المرأة ومفاهيم الحرية الفردية وحرية المجتمع وأسس التحول صوب المجتمع المدني المتطور. إضافة الى اهمية تشديد القوانين التي ترفض وتمنع وتعاقب من يرتكب جرائم ما تسمى بـ “غسل العار وتطهير الشرف” ونزع الحصانة القانونية عنه وإنزال أقسى العقوبات بكل من يتجاوز على حياة المرأة، والتأكيد على الالتزام بشعار “لا احد يعلو فوق القانون”.
إن التقاليد والعادات والأعراف الاجتماعية البالية في حياة المجتمع لا تختفي بسرعة، إذ ان زوالها يتطلب، اضافة الى حملة توعية واسعة واصدار القوانين الرادعة، الى نهضة صناعية وزراعية وتعليمية وثقافية تبنى على اساسها القاعدة المادية الأمتن للمجتمع المدني المتطور، بعيدا عن نظرة المجتمع الذكوري الضيق الذي يعتبر المرأة “سلعة” تباع وتشترى وينعتها بـ “ناقصة العقل”.