على خلفية استقالة الوزير !

آراء 2019/09/27
...

حسين الذكر
 
أطفالنا أيام زمان كانوا يلهون بألعاب ذات تعابير مجتمعية اكثر من كونها اناشيد عشوائية. اذ ان مساحة التعبير لم تكن بما متاح حاليا في ظل قنوات التواصل والشبكة العنكبوتية المهولة التي فجرت طبيعية العلاقات الاسرية كعنوان رئيس وهدف اولي للعولمة.  آنذاك كنا نسمع الأطفال يغنون وهم متشابكو الايدي (هدية جابت ولد سمته عبد الصمد) .. مع شهرتها لكننا لم نعرف معناها ولم نفهمها الا من زاوية الاعتزاز بالثقافة الذكورية السائدة والمتغلغلة بالعرف العربي.. خاصة اذا كان هو البكر. 
قبل أيام رزقت قريبتنا بمولود.. فرح بمقدمه والداه كونه ولدا أولا..  وكونه وامه بخير ثانيا... فالرواسب والتقاليد ما زالت متحكمة برغم التغيرات المجتمعية الشكلية ( فللولد رنة ما زال يسمع صداها في البيت وعند الأقارب والجيران).. الأهم ان الوالدة لم تهنأ كثيرا.. فبعد مراجعات طويلة كانت تحلبها الدكتورة حلبا عبر صرفيات سونار وكشف وتحليل وصيدلية بمالغ ليست متيسرة  .. خاصة بعد ان أصبحت الولادات  القيصرية هي الحل الاسهل والأكثر ربحا لاغلب الطبيبات .. فبعضهن تحصل على اكثر من خمسمئة دولار بأقل من نصف ساعة عدا اجرة المستشفى وتوابعها. 
بعد الولادة مباشرة شعرت الام بألم في ظهرها . حرمها حتى التفكير بوليدها وراجعت طبيبتها التي ظلت تحلب بها حتى افرغت جيوبها بلا شفاء .. اضطر أهلها البحث عن طبيب اخر.. بعد تيقنهم ان العمل الطبي الملائكي قد ولى بلا رجعة.. فكل يوم طبيب وكل طبيب يغير الدواء والتحاليل والاشعة والرنين والسونار وتوابعهما وكلها تكلف المواطن البائس المسكين أموالا لا تقدر .. فضلا عن تعب نفسي تقشعر له الابدان. 
راجعوا.. وراجعوا... ثم ذهبوا لطبيب اخر مع ان مكتبه مزدحم بالشعارات والصور وزي ومنطق سائد..  الا انه من حيث الجوهر لا يختلف عن اللصوص الذين قبله.. سوى ان موظفة استعلاماته  (قصابة من النوع الأصلي خماطة بلا حياء.. مسترجلة بلا حدود..) . منذ مدة طويلة أصبحت العيادات الطبية الشعبية اغلبها بطبيب واحد مختص بكل الامراض .. مع علاج واحد... ربما يتعداه الى عصارة عيون واسبرين.. واذا ما اضطر يكتب دواء يشترى من صيدليات أهلية..  فالبراسيتمول لكل المراجعين ولمختلف الامراض ( حكة.. فلاونزة سعلة.. سخونة.. حتى رفسة..  وهبطة..).  
منذ أيام يتداول خبر وزير الصحة العراقي .. في استقالة تكاد تكون متفردة لانها ذاتية وقبل الإقالة او انتهاء المدة.. وقد سمعنا ان رئيس الوزراء منح الوزير إجازة مفتوحة حتى يهدأ ويسحب استقالته. 
هنا احساسا بالمسؤولية الصحفية تجاه الشعب لاسيما فقراؤه ادعو السيد وزير الصحة ألا يعدل عن استقالته.. فان قطاع الصحة ميؤوس منه.. واصلاحه لا يتم عبر تبديل الأسماء وصبغ واجهة بعض المستشفيات والمؤسسات وتبديل مسمياتها.. وأتمنى ان تكون الاستقالة جزءا من الإحساس بالمسؤولية الكبرى والاعتراف بعدم التمكن من اصلاح الخلل تحت اي صلاحيات لان المنظومة معطوبة.. وهذا ما جعل مؤسساتنا الصحية التي كانت ملاذا للعرب في السبعينيات.. تتحول اليوم الى مجرد خربات وهياكل فارغة تحمل عناوين رنانة وطوابير ضخمة للموظفين بمئات المراجعين يوميا جلهم من الفقراء وضحايا العهدين الدكتاتوري والديمقراطي... ينخر بهم المرض والهم والالم..