حـتــى آخــر أمـيـركــي

بانوراما 2019/09/27
...

نيكولاس كرستوف*
ترجمة: الصباح
قال وزير الدفاع الأميركي السابق "روبرت غيتس" ذات مرة ساخراً أن السعودية "تنوي مقاتلة الإيرانيين حتى آخر أميركي."
بيد أن هذا الخطر يبدو اليوم حقيقياً، لأننا ربما سننزلق فعلاً صوب هذا الكابوس. فقد صرح وزير الخارجية "مايك بومبيو" مؤخراً بأن إيران ارتكبت "فعلاً من أفعال الحرب" حين هاجمت مراكز سعودية لمعالجة النفط، كذلك ينادي صقور لهم ثقلهم، مثل السيناتور "لندسي غراهام"، بأن علينا شن ضربات على مصافي نفط إيرانية.
خلال ذلك تتوعد إيران بالرد على أية ضربة تتعرض لها رداً "سريعاً ساحقاً".
يجد الرئيس ترامب نفسه اليوم أمام معضلة محيرة، فإذا كانت إيران هي حقاً من يقف وراء الهجوم على السعودية سيكون هذا استفزازاً خطيراً، ومن المنطقي إذن أن نتساءل إن كان القادة الايرانيون قد اكتسبوا جرأة حين رأوا في ترامب مجرد شخص ملؤه التبجحات الفارغة والجعجعات الطنانة.
في احدى مقالاتها أوردت صحيفة نيويورك تايمز على لسان علي بكديلي، وهو محلل سياسي من طهران، قوله: "ترامب ليس أسداً بل أرنب."
ربما تكون إيران قد خلصت بالفعل الى أن ترامب هو أم الارانب كلها بعد ما لمسته من ضعف ردوده ازاء مهاجمة خطوط شحن النفط في أيار وحزيران الماضيين، واسقاطها طائرة أميركية مسيرة في شهر حزيران.
كانت حصيلة ما سلف هي أن الصقور صاروا يستحثون ترامب على ابداء القوة هذه المرة وتأمل فكرة قصف أهداف إيرانية. بيد أن هذا لو حدث سيكون أشد خطورة من مجرد اعطاء الانطباع بالضعف، لأن الموقف يمكن أن يتصاعد بسرعة إذا ما ردت إيران بتوجيه ضربات الى مواقع داخل السعودية أو الامارات العربية أو البحرين، أو حتى استهداف الجنود الأميركيين في العراق وافغانستان.
الحرب الشاملة مع إيران سوف تكون كارثة الكوارث، لإن عدد سكانها يعادل ضعفي سكان العراق، كما أن إيران ستكون خصماً مخيفاً أكثر مما صادفناه في العراق.
ترامب إذن في ورطة جدية: فعدم التحرك قد يفسر ضعفاً، والضربات العسكرية قد تصعد الموقف وتجر الولايات المتحدة الى كارثة كبرى ... 
 
ركوب موجة الأزمات
إنها ورطة سار إليها ترامب بقدمه، لأننا لم نقع في هذه الفوضى إلا بعد أن نبذ صفقة 2015 النووية مع إيران التي عدّت انجازاً مشهوداً ومعلماً على الطريق. كانت حجة الصقور هي أننا قادرون على تسليط "اقصى درجات الضغط" على إيران وانزال أشدّ الأذى بها الى أن تركع وتذعن، ولكنهم لم يضعوا في تقديراتهم أن إيران هي الأخرى يمكن أن تصعد ضغطها علينا.
تلك هي مشكلة الصقور، فهم يخططون لعبتهم على لوحة الشطرنج حتى تكلل بـ "كش ملك" وينتصرون ولكنهم لا يضعون في حسابهم ابسط الدروس الاساسية التي تركها لنا سون تزو أو كلاوزفيتز بأن المقابل لديه تحركاته هو الآخر.
خارج الصفقة النووية خياراتنا الأخرى كلها سيئة مع الأسف. لذا وجب علينا البحث عن سبل تعيدنا الى تلك الاتفاقية، ولو بإضافة تعديلات لحفظ ماء الوجه تسمح لكلا ترامب والمرشد الأعلى أن يدعيا تحقيق النصر.
عدا هذا أخشى أننا نجازف بالانزلاق الى صراع. لا أحد يرغب في الحرب طبعاً، ولكن الخروج من هذا الموقف يتطلب براعة دبلوماسية، وهي شيء لم يثبت لنا فريق ترامب أنه يمتلكه.
علينا ألا نكون كلب حراسة للسعوديين، ولا حتى كلبهم المدلل في الحجر. قد نزعم أن إيران تهدد الأمن في العالم، ولكن هذا ينطبق على السعودية أيضاً، لأنها هي من اختطف رئيس وزراء لبنان وهي من أوجد شرخاً مع قطر وهي التي اختلقت اسوأ ازمة إنسانية في اليمن.
إن تكن مهاجمة منشآت النفط السعودية خرقاً للاعراف الدولية فإن حادثة الصحفي خاشقجي خرق هي أيضاً، وكذلك استمرار سجن لجين الهذلول المرشحة لنيل جائزة نوبل بسبب مناصرتها لقضية حقوق المرأة.
إن كان ولي العهد الأمير محمد بين سلمان راغباً في الرد على الضربات الجوية للمنشآت النفطية السعودية باستخدام وسائل عسكرية فله ذلك، ولكن دعه يستخدم طائرات المملكة وصواريخها. هذه المعركة ليست معركتنا ولا ينبغي لها أن تكون مقبرتنا. إنه صراع بين نظامين يتنافسان على زعزعة استقرار المنطقة، واشارات ترامب بأننا سنجزى بأجر جزيل لقاء دفاعنا عن السعودية اهانة لجنودنا لأنها تضعهم بمصاف المرتزقة.
بدلا من ذلك يجب أن تنصب مهمتنا على التعاون مع الدول الاوروبية للخروج من هذه الحفرة الموحلة والعثور على سبيل يعيدنا الى الاتفاقية النووية مع إيران.
 
*نيكولاس كرستوف كاتب أعمدة في صحيفة نيويورك تايمز منذ العام 2001، وهو حائز على جائزة بولتزر مرتين، الاولى عن تغطيته لأحداث الصين والثانية عن تغطيته لجرائم الابادة الجماعية في دارفور.