يسيطر الخوف والرعب من الآخر، والخشية من المجهول، على العلاقات الاجتماعية التي تنشأ بين أفراد المجتمع الشرقي، فتتلبس العلاقة بين الشاب والفتاة كثيراً من الموانع والعقبات والتحليل والتحريم، والشجب والاستنكار، في ظل مجتمع يراقب، يحاسب، ويعاقب، وينظر بريبة وتوجّس وخطر لأي تقارب بينهما.
حُددت العلاقة بين الرجل والمرأة على أساس العلاقة الجنسيّة الجسديّة، التي يحدها الزواج من جهة وإنجاب الأطفال من جهة أخرى، ضماناً لاستمرار النسل البشري، والإبقاء على الحياة الإنسانية متواصلة، بينما جرى ربما “عن سبق إصرار وتصميم” تهميش وتجاهل الصداقة بين الجنسين، ولم يكن ليتصور أحد أي أفق يتجاوز ما أشرنا إليه، وكل صلة بينهما خارج الزواج كانت محط إشارات استفهام واستهجان واستنكار، وتساؤلات لا حصر لها.
الصداقة بين الجنسين الرجل والمرأة حديثة العهد، عصرية المولد، فرضتها عوامل عديدة وتغيرات طرأت على طبيعة الحياة، والعلاقات الاجتماعية والعمل، وتبدلات كثيرة غيرها، فلم يعد من الوارد التفريق بينهما، وأصبح وجودهما جنباً إلى جنب سمة من سمات العصر والتحضر، فكان الاختلاط الذي فرضه الزمن الجديد رغماً عن رغبات الكثيرين من ذوي العقول المريضة المتحجرة، سبيلاً لنشوء وتهذيب العلاقة التي يمكن أن تنشأ بينهما، وهنا من المفيد التذكير بالفرق وضرورة التفريق بين مفهومي الصداقة بما تحمله من سمات روحية جميلة، وبين الزمالة في العمل التي غالباً ما تحكمها وتتحكم بها المصالح وتنخر فيها مشاعر الحسد والغيرة وما ينجم عنهما من مشاكل وأزمات.
إنّ المجتمعات المتحضرة الراقية لا تعاني من التقارب بين الجنسين الذي يؤرق الأخرى المحافظة، التي تعيش حالة من الازدواجية بين الدين والحياة، تعيش في تخبط لا يدع مجالاً للعيش بسعادة وهناء، وإقامة علاقة سليمة صادقة ونبيلة، وحين يكون للدين رأيه في هذا الموضوع الذي نتطرق إليه، سيكون الشيطان حاضراً، استنادا إلى أن أي اجتماع بين رجل وامرأة سيكون الشيطان ثالثهما، فتغدو الصداقة بين جنسين مختلفين محرمة، لما تحمله في جنباتها وفقاً لرأي البعض من نوايا خبيثة ورغبات سيئة، واستنفار للغرائز والدخول فيما لا يحمد عقباه على حد زعمهم.
إنّ كثيراً من المجتمعات لا سيما “العربيّة” ليست جاهزة بعد لتقبل هذا الشكل من الصداقات بين رجل وامرأة “جنسين مختلفين”، فغالباً ما يواجه الأشخاص الذين تربطهم علاقات صداقة مع “الجنس الآخر” بسيل جارف من التلميحات والغمز واللمز والتشكيك بصحة الصداقة التي تجمعهما، فيأخذهم تفكيرهم القاصر إلى الحدود الجسدية فقط، ويصبح الشاب عريساً والفتاة عروساً له، ويبدأ نسج القصص والحكايات حولهما.
قد يبدو الحديث عن صداقة حقيقة عذرية بين رجل وامرأة ضرباً من الخيال أو حتى الجنون، في مجتمعات تعاني من مشاعر وغرائز ورغبات مكبوتة، لكن آن الوقت أيضاً للاقتناع بأن تلك الصلة باتت ضرورية إذا كنا نحلم بمجتمع متحضر وناضج فكرياً وعقلياً وروحياً.