هل «يفيد الحچي}؟

آراء 2019/09/30
...

د. بسّام البزّاز 

تكاد لا تسمع وأنتَ تحادثُ غريبا في الشارع أو تجالس صديقا في المقهى أو تدردش مع سائق التكسي غير عبارة توجز ما كنتَ بصدده أنتَ ومحادثك في الشارع أو في المقهى أو في التكسي: «وشيفيد الحچي"؟
من قال إنّ الكلام لا يفيد؟.

حياتنا كلّها قائمة على الكلام. حجتنا. منطقنا. تعاملنا. صفقاتنا. علاقاتنا. كلّها كلام. 
فالكلام هو ما يمهّد للفعل. هو ما يرسم خريطة الطريق إنّه يفعل ما لا تفعله العضلات. ويصنع ما تعجز عن صنعه المعجزات.
بالكلام تزحزحت جبال وسقطت عروش وامبراطوريات ووقعت ثورات سياسية وصناعية ودينيّة.
الكلام كان على الدوام شرارة كلّ حركة وبداية كلّ فعل.
فأين يقولون إنّه لا ينفع؟ وإلامَ يرمون إذ يقولون "شيفيد الحچي"؟
موضوع كلامنا الذي لا ينفع معه كلام ولا "يفيد" فيه "حچي" هو الفساد و/ أو السياسة [ما عدنا نفرّق 
بينهما]
أؤكّد لكم أنّ الكلام ينفع وأنّ الحچي يفيد.
ليس لأنّ للكلام في بعض الأحيان فعلا سحريا وحسب وليس لأنّنا بالكلام نوقد الشعلة ونبقي على جذوة الإدانة والرفض متقدة وليس لأنّ كثرة الطرق يفلّ الحديد بل لأنّ هذا الحديد الذي نتكلّم عنه حديد "فالصو". غير نقي. مخلوط. مُعاد لذلك فهو هشّ البنية وضعيف الأساس نعم. فالفساد، شأنه شأنه الظلم، يحمل جرثومة فنائه معه. يدوم. يتأخر. يطول عليه المدى. لكنّه لن يلبث أن يسقط وينهار من نفسه.
من نفسه ومن الطرق عليه ومن فضحه وإدانته.
حين نكتب. 
وحين نؤشر الخلل. وحين نقارن بين ما وصل إليه العالم من تقدم وما نحن فيه من حال "يصعب على الكافر". 
وحين نقارن بين تقلّب حال الناس بين فقر مدقع وغنى فاحش. بين تقلّب أحوالهم بين جري في سبيل لقمة العيش أو لهاث من أجل صفقات تأتيهم بالمزيد من العقارات والسيارات والمزيد من "ضمان المستقبل" حتى الجيل السابع من ذريتهم. فهذا كلّه كلام حين نوجّه العناية إلى أنّ الفساد أنواع وإلى أنّه ليس فساد الطبقة السياسية وحسب وفساد الذمم فقط بل هو فسادنا كلّنا. 
فساد أيّ واحد منّا. هو كلّ تقصير، ما صغر منه وما كبر. فهذا كلّه كلام الطبيب في عيادته. والمحامي في مكتبه. والأستاذ الجامعي على "كرسيّه". والموظف في دائرته. 
أيّ تقصير من أيّ نوع. أيّ حجب للخدمة من أيّ نوع. أيّ مساومة على باطل من أيّ نوع. أيّ ابتزاز لمواطن من أيّ نوع. هو فساد. والإشارة إليه كلام.
والكلام يقود إلى نقاش والنقاش يقود إلى وعي جمعي ورفض جمعي واحتجاج جمعي. والبداية في كلّ ذلك كلام يقال أو كلمة 
تكتب.
اعتراض أيّ منّا على أيّ خلل أو تقصير هو بداية الحل والتصحيح.
ما لا يجب هو السكوت. ما لا يجوز هو التهاون والسماح للخطأ بالمرور
فالسكوت هو ما يغذّي الباطل. هو ما يسمنه. هو ما يغوّله. وهو ما نسلّح به الفاسدين ليتمادوا في فسادهم. والظالمين ليواصلوا ظلمهم وطغيانهم. جرّبْ أن ت
عترض. 
جرّبْ أن ترفض، جرّب أن تُسمعَ صوتَكَ سيردّد آخر صداه، وآخر وآخرون، سيعلو في الفضاء صوتٌ جديد، نغمة حياة نسمة أمل. نسمة انعتاق. نسمة تحقق للذات، لن تلبث أن تصبح ريحا فعاصفة فإعصارا يطيح بأبراج الفساد النخرة المتداعية ولن يلبث المطر الذي بشّر به السيّاب أن ينهمر، ليغسل القلوب مما علق بها من مرارة والعيون مما شهدت من حيف وظلم واستغلال. جرّبْ أن تتكلم وسينهمر المطر. صدّقني.