غاري وايت ترجمة: خالد قاسم
لا ينبغي الشعور بسعادة كبيرة بسبب التقدم الحالي بالحرب التجارية، ومع أن جانبي النزاع يتحدثان عن امكانية التوصل لاتفاق قبيل المحادثات الأخيرة في واشنطن، لكن حدث تطور كبير قد يهدد أي اتفاق نهائي.
وقعت الصين اتفاقاً طويل الأمد للتزود بالنفط الايراني وسوف تدفع مقابل الخام باليوان، لتلتف على نظام البترودولار الراسخ. ويعد هذا التطور تصعيدا خطيرا بالحرب الباردة الجديدة من وجهة نظر صقور الادارة الأميركية.
يمتد الاتفاق 25 سنة بعد تأكيده في آب الماضي ويتضمن تسديد الصين ثمن مشتريات النفط والغاز والبتروكيماويات الايرانية بخصم 12 بالمئة، والمقابل لذلك النفط الرخيص والمضمون هو ضخ بكين 280 مليار دولار في قطاع النفط الايراني الذي تعرض لعقوبات أميركية ويواجه قضايا بنية تحتية خطيرة.
خصصت الصين 120 مليار دولار أخرى لتعزيز قطاع النقل الايراني وسوف تنشر 5 آلاف عنصر أمني صيني داخل إيران لحماية استثماراتها، اضافة الى حراسة شحنات ناقلات النفط بين إيران والصين.الأمر المهم هو أنَّ تسديد ثمن النفط سيكون باليوان، ويسمح هذا للصين بتخطي النظام المالي العالمي المقوم بالدولار. وحاولت ايران منذ سنوات إقناع الدول بدفع ثمن نفطها بعملات أخرى غير الدولار، لذلك يجب على بكين معرفة أن هذا التحرك سيعد مثيرا للجدل في واشنطن، ولهذا احتاج الأمر بعض الوقت لتسريب تفاصيل الاتفاق. يعدُّ هذا الاتفاق حلاً للالتفاف على العقوبات الأميركية من قبل الشركات الصينيَّة، ويؤدي وجود قوات صينية داخل ايران لتعقيد أي عمل عسكري أميركي مستقبلاً. ومن جهة ثانية، تسببت حرب ترامب التجارية بتسريع المعركة الأيديولوجية بين واشنطن وبكين، وصلبت آراء الجانبين، وهذه هي النتيجة. عندما أعادت أميركا العام الماضي فرض العقوبات على ايران من جانب واحد، هدد وزير الخزانة الأميركي ستيفن مونشن “جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك” ومقرها بلجيكا بعقوبات اذا وفرت خدمات للبنوك الايرانية المدرجة في القائمة السوداء لواشنطن.
تعد الجمعية نظام المدفوعات مهماً عالمياً في التعاملات العابرة للحدود، وسلطت اختلافات الرأي بشأن ايران الضوء على مقدار نفوذ الجهاز السياسي الأميركي على النظام المالي العالمي، والنتيجة هي أنَّ عدة مصارف روسية انضمت لنظام مدفوعات دولي صيني منافس لا يخضع للنفوذ الأميركي.
من الواضح أن سلطة واشنطن على نظام المدفوعات المقوم بالدولار تعد مشكلة حقيقية للمنافسين الجيوسياسيين مثل الصين وروسيا، وقضية شائكة للحلفاء أيضا، اذ يرى جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية أن تسديد الاتحاد أكثر من 80 بالمئة من وارداته للطاقة بالدولار يعد “انحرافاً” بينما استورد 2 بالمئة فقط من النفط والغاز من أميركا. وقال إنَّ اليورو سيصبح أداة فعالة لسيادة الاتحاد الأوروبي.
تريد الصين أيضا من الدول الأخرى النظر بالانضمام اليها، ويعتقد السفير الايراني في الهند علي جكيني أن على الهند اتباع النموذج الصيني ولا تهتم بالعقوبات الأميركية على بلاده، وتستفيد من الفرص المتاحة بقطاع النفط والغاز الايراني. وتعد الهند ثاني أكبر زبون نفطي لايران بعد الصين قبل انسحاب أميركا من الاتفاق النووي في أيار 2018.
توقفت نيو دلهي عن استيراد الخام الايراني في 2 أيار الماضي عندما دخلت العقوبات الأميركية على قطاع النفط الايراني حيز التنفيذ، وبالتالي تقف الهند بموقع جيوسياسي معقد. مع أن ايران والصين وقعتا مبدئيا اتفاقية تعاون عام 2016، لكن الاتفاق الأخير هو رد فعل على الحرب التجارية ورغبة ادارة ترامب بعزل ايران. وتأمل الصين أن اليوان سيتحدى يوما ما الدولار كعملة احتياطي عالمية ودولية، والحفاظ على تسعير المواد الخام بالدولار سيكون أكثر أهمية من أي وقت مضى.
صحيفة ديلي تلغراف