ابراهيم العبادي
تجادل العراقيون كثيرا في الشهور الماضية عن امكانية قيام العراق بالتوسط مباشرة بين السعودية وايران ،وبين ايران والولايات المتحدة ،لتهدئة التوتر المتصاعد ومنع انزلاق المنطقة الى حرب مدمرة ،قد تندلع دونما ارادة من احد ،ولا لرغبة فيها ،انما بسبب سوء تصرف ميداني أو خطأ يرتكبه العسكريون ،او بسبب معلومات خاطئة .
الجديد في هذه الوساطة ،انها اصبحت مرغوبة ومطلوبة ،بعدما كانت غير ذات جدوى ،وليست مؤثرة بالقدر الذي يجعلها محور العمل الدبلوماسي في المنطقة .
لقد اكتشفت الاطراف المتنازعة انها ليست بتلك الحصانة والقوة التي تجعلها تستغني عن الدور العراقي المختنق بمشكلاته ،والذي بالكاد يجترح دورا له لتفادي احتراق كيانه وتمزق دولته.
لقد كشفت هجمات ارامكو ومن قبلها الهجمات على السفن في مضيق هرمز عن ان المنطقة هشة واقتصاديات دولها غير مؤهلة لمواجهة حروب الجيل الجديد من الاسلحة ، وان كلفة الحرب ونتائجها ستكون اعلى من كلفة اللاحرب واللاسلم السائدة حاليا ، فاقتنعت الرياض وابو ظبي وواشنطن ان لا سبيل للحرب لحسم الصراع مع ايران ،وان التفاوض وتكتيكات الضغوط والحصارات الاقتصادية هي الطريق الاسلم للوصول الى نتيجة ترسم في النهاية صورة لعلاقات جديدة تضمن الامن الاقليمي وتنهي حالة التوتر الشديد وحروب الوكالة والهجمات الخفية التي لا يعلن المهاجم مسؤوليته عنها .
الايرانيون يديرون لعبة الحرب والتفاوض كمن يفكك قنبلة موقوتة ،قد تنفجر بسبب خطأ بسيط ،وفي الوقت نفسه تحتاج الى خبير انتحاري يتقدم للتعامل معها وفق النظرية الصفرية ،اما ان تنفجر وتدمر ماحولها ،او يتم تفكيكها بصبر وهدوء واعصاب باردة لعل المحاولة تنجح ويتم سحب الفتيل في النهاية .
الادارة الاميركية تعلم ان الشعب الاميركي غير مهيأ للدخول في حرب جديدة ،وان المبررات التي استخدمت في السابق للدخول في سلسلة الحروب السابقة كانت واهية وغير مقنعة وظهر لاحقا انها ليست محقة ،وان كلفها عالية وليست بذات جدوى ستراتيجية، اقتصاديا وعسكريا وحتى
مستقبليا.
اما الاوروبيون فكانوا مع الحوار منذ البداية وهم خائفون من الركود الاقتصادي وتفادي الازمات ومشكلات تدفق اللاجئين والتطرف ،ويريدون الحفاظ على الاتفاق النووي مع ايران لقناعتهم بخطأ ادارة ترمب في الانسحاب منه والذي تسبب بتعريض امن الطاقة للخطر ،بينما يتباهى الاميركان بعدم حاجتهم لنفط الشرق الاوسط .
المصلحة العراقية التي حتمت القيام بدور الوسيط والداعي الى تجنب الحرب والتصعيد ،ما زالت على اشدها وهي تملك مبرراتها الداخلية ، كون العراق خائفا على نفسه واستقراره ومصلحته الاقتصادية والامنية ، اضيف اليها الان المبرر الخارجي ،وهو حاجة الاطراف المختلفة الى التهدئة ،خوف اندلاع الحريق الكبير الذي لا تنفع معه الرادارات المتطورة ولا صواريخ القبة الحديدية ومنظومات الباتريوت ، مثلما لم ينفع الصراخ والغضب من هجمات الطائرات المسيرة على المعسكرات العراقية التي تطايرت شظاياها السياسية في كل المنطقة .
نحن في ذروة الازمة ،وفي سباق مع الزمن لتفكيك هذه المشكلة المعقدة ،الحل سيأتي عاجلا أو يتأخر ،لكنه سيكون على قاعدة التوازن وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وتوقف حروب الوكالة والنفوذ ،هذه فرصة معادة لينشط العراق على قاعدتها ليكون عراب التسوية المنتظرة وصاحب مشروع الامن الاقليمي الجديد ،وفق منظور مرن للامن الوطني العراقي ،وزارة الخارجية مدعوة لتكثيف جهودها والاستفادة من الخبراء والباحثين ومراكز البحث لبلورة هذه الرؤية والعمل عليها، فهي مصلحة عراقية وعربية واقليمية ودولية.