من طريف ما رواه لي أحد الأصدقاء قبل سنين، حكاية تصلح ان تكون مقاربة لما نعيشه اليوم.. يقول الصديق، إنّ احد الأشخاص ممن يحلمون بهبوط الثروة عليهم من السماء، كان قد اشتكى حاله الى صديق له، وكان هذا الاخير صديقا لشخص يبيع بطاقات اليانصيب، الشهري والاسبوعي، قائلا: إنّ فلاناً، ويقصد البائع لم يقف الى جانبي، مع انه يعرف لجنة اليانصيب ويعرف عنها ايضا، انها تحابي في النتائج وتمنح الفوز لبعض البطاقات خارج السياقات او خلافا لضوابط السحبة، او هكذا سمع من الناس.
وبما انه يحتاج المال، والكلام مازال لصاحبنا، فإنّه عاتبٌ على صديقه لعدم وقوفه معه ولو مرة واحدة لينتشله من وضعه المادي الصعب.. ذهب الرجل الى بائع اليانصيب وعاتبه لعدم وقوفه مع صديقه، لكنّه فوجئ بردِّ البائع عندما قال له؛ انه لم يشترِ بطاقة يانصيب مني أبدا، فكيف تريدني أقف معه؟!!
اليوم نسمع كثيرا ممن يتحدثون عن ضرورة تغيير الواقع السياسي وتخليص البلاد من حيتان الفساد، لكنهم لم يسهموا بشكل فاعل في التغيير، ومقاطعون دائمون للانتخابات بحجة انها ستأتي بالوجوه نفسها، وان الامور متفق عليها .. الخ من هذه الطروحات التي لاتسمن ولاتغني من جوع.
لانريد هنا أن ننصب أنفسنا اوصياء على مواقف الناس، فلكل انسان الحق في اختيار الموقف الذي يريده، وان مقاطعة الانتخابات تبقى خيارا شخصيا، ولا احد يستطيع إجبار احد على تغييره، لكن المشكلة ان الذي يريد تغيير الواقع وهو لايمتلك وسيلة اخرى غير الانتخابات، كيف يقاطع السلاح الوحيد الذي له الحق في
استخدامه؟..
يرى البعض ان الاسهام في الانتخابات أشبه بمخادعة النفس، لان النتائج لايحددها صندوق الانتخاب، بل قوى اخرى، وان الانتخابات لاتعدو كونها مسألة شكلية لاتأخذ ولا تضيف، وان الذين يسهمون فيها يخدعون انفسهم او انهم
مخدوعون..
ومن نظرية المؤامرة هذه التي نلجأ اليها بمبرر ومن دون مبرر، ظلت مقاطعة الانتخابات من قبل الكثيرين وسيلة للقوى المهيمنة على المشهد، بان تحكم قبضتها على مفاصل الدولة، لان لهذه القوى جمهورها، الذي يحضر كل انتخابات ويعطي صوته لها، وبذلك بقي الواقع على ما هو عليه، ولم يتغيّر، لكن بإرادة المقاطعين وليس بإرادة غيرهم.
مرة كتبت مادة عن ما حصل في مصر بعد الاطاحة بنظام مبارك، اذ كان من المفروض ان يصوّت نحو خمسين مليونا، الذين هم الناخبون المسجلون، لكن الذين حضروا للتصويت يوم الانتخاب، نصف العدد او اقل، ففاز محمد مرسي على حساب محمد شفيق.
وبعد ان وصل الاخوان الى السلطة وبدؤوا بتنفيذ برنامجهم، ثارت ثائرة الاغلبية التي تريد حياة اخرى.
وهكذا كان على الشعب المصري ان يبقى في حالة شبه فوضى وشلل الحياة بشكل عام، قبل ان تستقر الامور، بعد ثورة 30 يوليو 2013 بينما كان بالامكان تجاوز هذا الارباك، لو ان الاغلبية المقاطعة حضرت واعطت صوتها لمنافس مرشح
الاخوان ..
لا أحد يجزم بنزاهة اية انتخابات في العالم، بشكل كامل، لكن هذا لم يمنع الشعوب من ممارسة هذه العملية التي باتت اليوم الوسيلة الوحيدة، تقريبا، لاي عملية سياسية في العالم؟..
يتحجج المقاطعون بما أتينا على ذكره من تزوير او غيره، وينسون امرا مهما، هو ان الاحتجاج والتظاهر في حالة سرقة الاصوات، يجب ان يكون مكمّلا للانتخابات، أي ان السكوت على سرقة
الحق، يتعادل في قيمته مع المقاطعة التي تعني تسليم هذا الحق لمن يراه المقاطع لايستحقه!
هل في قولنا هذا مجاملة لأحد او جهة، او فيه تجنيا؟ لاندري ....!