محمد عبد الجبار الشبوط
بصراحة، انا اخشى على فكرة “حكومة الظل” من ان يجري تشويهها على يد السياسيين العراقيين الذين سبق لهم تشويه فكرة الديمقراطية منذ عام 2003 حتى الان.
فقد قيل مثلا ان هناك من عرض على الفريق عبد الوهاب الساعدي رئاسة حكومة الظل.
السيد عمار الحكيم قال بعد اجتماعه بنوري المالكي قبل فترة: “بيّنا ايضا طبيعة المعارضة وخطواتها في تشكيل جبهة المعارضة وحكومة الظل ....”.
لكن المالكي قال في تصريح سابق:”لا توجد لدينا معارضة حقيقية لديها برنامج واضح ومحدد يختلف عن برنامج الحكومة”.
لاحظوا ما يلي:
اولا، منذ ظهور المعارضة السياسية للنظام البعثي حتى سقوطه لم تكن “الديمقراطية” من ضمن اهتمامات الذين تصدوا للمعارضة حتى سقوط النظام. فلما سقط على ايدي الاميركان لبس “المتصدون” لباس الديمقراطية التي شوهوها بالمحاصصة وعيوب التأسيس. ومنذ ذلك الحين جرت الاساءة الى مفهوم الديمقراطية بشكل شوه صورتها امام الجمهور الى درجة ان بعض الناس صار يفضل غيرها عليها، مثل فكرة “المستبد العادل”.
ثانيا، ومنذ توليهم الامر بعد سقوط النظام لم يكن مفهوم المعارضة مطروحا في اوساط “المتصدين”، لان الاصل عندهم كان يتمثل في تقاسم كيكة الحكم على اساس المحاصصة، فلما اضحى ذلك متعذرا بعد عام 2018 تم طرح مفهوم المعارضة بمعزل عن المفاهيم الاخرى المتعلقة به ضمن النظام الديمقراطي، الامر الذي سوف يلحق الضرر بهذا المفهوم، واقل الضرر هو تشويه الفكرة، كما حصل بالنسبة لفكرة الديمقراطية.
ثالثا، وبالتوازي مع فكرة المعارضة، يتم طرح فكرة حكومة الظل، التي اخشى ان تشوه هي الاخرى ايضا.
يعرف مصطلح “حكومة الظل” بأنه عبارة عن “حكومة غير رسمية ومن دون قوة فعلية، تضم أعضاء من الأحزاب المعارضة للحزب الموجود بالسلطة، وتعمل على توجيه النقد للحكومة الحالية، وتوفير منظور مختلف للسياسات التي تنفذها الحكومة الفعلية”. وتعمل تلك الحكومة على أن تظهر نفسها كبديل للحكومة الفعلية بعد الانتخابات المقبلة، وعادة ما يشكلها أكبر الأحزاب المعارضة.
بريطانيا هي بلد المنشأ بالنسبة لفكرة حكومة الظل. ولا نطلب ممن ينادي بالفكرة من العراقيين ان يقلد النموذج البريطاني، لكن الاطلاع على النسخة الاصلية لا يخلو من فائدة. غالبا ما تتشكل “حكومة الظل” من أكبر الأحزاب المعارضة في الدولة، وتضم أعضاء من الحزب، يمثلون جميع الحقائب الوزارية، يعملون على نقد تصرفات الحكومة الفعلية، واقتراح سياسات بديلة لسياستها، بما يجذب أفراد الشعب لها، ويساعدها في الانتخابات المقبلة. بريطانيا على سبيل المثال، يشكل فيها حزب العمال “حكومة الظل”، وفي حالة سقوط حكومة حزب المحافظين ونجاح حزب العمال في الانتخابات تتحول حكومة الظل إلى السلطة الفعلية.
ولا بد من الإشارة إلى أنها صورة سامية من صور الديمقراطية، وتجنب تهميش الآخر، وتدفع الحياة السياسية إلى الأمام، وتدفع جميع الأطراف إلى العمل من أجل خير أوطانهم, وطبعاً لا توجد حكومات ظل في الدكتاتوريات.
لكن يجب ان نتذكر ان حكومة الظل لها شروطها. واول هذه الشروط ان حزبا معارضا غير مشترك في الحكومة هو الذي يتولى تشكيلها. فلا يمكن ان يشكلها حزب يضع رجلا في الحكومة واخرى في “المعارضة”.
والشرط الثاني ان حكومة الظل تتشكل داخل البرلمان حيث يرأسها نائب منتخب، غالبا ما يكون رئيس الحزب المعارض، ولا يصح ان يرأسها شخص غير منتخب. كما في تداول اسم الفريق عبد الوهاب الساعدي. وهذا ينطبق على اعضائها الذين يجب ان يكونوا نوابا منتخبين.
والشرط الثالث ان تتولى حكومة الظل مراقبة الحكومة الفعلية، ونقدها من حيث السياسات والممارسات، والحلول محلها في حال فشلها وسقوطها بالطرق الدستورية المعروفة، كالاستقالة او سحب الثقة. ولهذا لا معنى لمصطلح “المعارضة التقويمية” في حال تشكيل حكومة ظل.
والشرط الرابع انه يفترض ان يشكل حكومة الظل الكتلة البرلمانية الثانية من حيث عدد الاعضاء - النواب حتى يكون لها الوزن السياسي والبرلماني والمعنوي المؤثر في مجرى الحياة السياسية.
والشرط الاخير ان حكومة الظل ليست حكومة فعلية تنفيذية، فليس في البلد الديمقراطي سوى حكومة فعلية واحدة، انما هي صيغة تخصصية اكثر من صيغ ممارسة المعارضة ضمن النظام الديمقراطي. وليست هناك اي امتيازات او مخصصات مالية اضافية او صلاحيات او وضع دستوري خاص بها.