اقتربنا كثيرا من القاص والروائي محمد حياوي فكانت الحصيلة إجاباته المستوفيات لأسئلتنا.
* عرّف لنا نفسك ؟
- أنا صبيٌّ في الخامسة عشرة من العمر، حدث وان حرن عمره ولم يتقدم في السن، تدهشه الأشياء البسيطة ويؤرقه الاشتهاء ويكبله الخجل والتردد وعدم الجرأة على البوح، كل من أحببنني اُضطررنَ على الاعتراف بأنفسهنّ بعد أن يأسنَ من إقدامي، يقول بنيامين بوتن إن الصدف هي التي تحدد حياتنا، بما في ذلك تلك التي نفوّتها، وأنا أصدّقه تمامًا، فبلوغي الستين افتراضيًا صدفة، ودخولي عالم الكتابة صدفة، ونجاتي من الحرب صدفة، وبقائي على قيد الحياة كل هذه المدّة صدفة، وفي المحصلة أنا حالة غريبة من الصراع الدائم بين ذلك الطفل ذي الروح السخية التي يسهل أغواؤها، وذلك الكهل المتجهّم بثقل وعيه ونظرته العابثة للحياة.
* لماذا اتّجهت الى الرواية؟ ما الذي أغراك بها؟
- قلت مرّة إنّ ألف ليلة وليلة اخترعها الفقراء ليقتصوا بواسطتها من الأغنياء، والغنى هنا ليس بالضرورة غنى المال، بل غنى الجمال والحسن الظالم، وقلت أيضًا أن ما لم تستطع امتلاكه في الواقع يمكنك امتلاكه في الخيال، وإذا كانت ثمّة امرأة تقضُّ مضجعك، أغمض عينيك وتخيلها وأشبعها حبًّا، لا أدري أن كان ذلك يوضّح مفهومي لإغراء الكتابة الروائيّة أم لا، لكن الأمر يشبه الادمان على التخيّل او أحلام اليقظة، لماذا يصبح الإنسان مجنونًا؟ لأنّه ببساطة يُدمن الحلم والخيال والرواية تجسيد ما للأحلام التي نحن أحوج ما نكون إليها في عالمنا المُعذِّب الذي نعيش فيه.
* متى دخلت دائرة الشهرة لاوّل مرّة؟
- لا أدري فيما إذا كنت قد دخلت عالم الشهرة أم لا في الحقيقة، لكنني ألمس بعض الاهتمام في معارض الكتاب التي أحضرها، فغالبًا ما يتواجد فيها القرّاء الحقيقيون، فالشهرة في مجال الأدب تختلف عن مثيلاتها في الفن والمجالات الأخرى، لأنها شهرة ثمينة وواعية وترتب على الكاتب مسؤولية ثقيلة للغاية، لأنّها ناجمة عن الوعي وعميقة ولا تتحكم بها نوازع الاعجاب السطحي أو العاطفي، وغالبًا ما يربط القرّاء شخصيات أبطال الكاتب بشخصيته.
* ما جديدك من القصص او الروايات؟
- على صعيد القصص أنجزت مجموعة جديدة من القصص القصيرة جدًّا، هي امتداد لتجربتي الأخيرة في قصص “طائر يشبه السّمكة”، أما على صعيد الرواية فأنا أضع اللمسات الأخيرة على روايتي الجديدة والغريبة التي آمل ان تصدر عن دار الآداب مطلع العام الجديد، وهي رواية مجهدة ومختلفة تمامًا عما أنجزته من روايات والعمل عليها مضنٍ استغرق منِّي أكثر من عامين وما زالت تؤرقني.
* ما السرُّ وراء ازدياد عدد الروائيين في العراق؟
- التهافت على كتابة الرواية ناجمٌ عن فوضى الانفتاح الحاصل في العراق بعد الاحتلال. كما انّه ظاهرة عربية شاملة، والسبب في ذلك يعود لحمّى الجوائز المموّلة خليجيًا التي راح لعاب الكثيرين يسيل لها، الأمر الذي جعل أيّ مشتغل في الكتابة يتهافت على الرواية ليجرّب حظّه طمعًا بالمبالغ الكبيرة التي أساءت للفن الروائي الأصيل.
* أي قلق يساورك مع مراحل الكتابة، وهل هو في القصة اكثر ام في الرواية؟
- في الرواية بالتأكيد، فالقصة مجرد حلم عابر تصطاده بغتة وتفرغه من رأسك بجلسة واحدة وترتاح، اما الرواية فهي عمل مجهد قد يودي بك إلى الجنون واعتزال الناس احيانًا، أقصد في حال كنت مخلصًا للأدب وتكتب بجديّة وإيمان مطلق بقدرة الخيال على تغيير الناس.
* أين يكمن سرّ جمال الكتابة عندك؟
- في البساطة وفي الابتعاد عن التعقيد وفي الإخلاص لقضية الأدب ومتانة اللغة وثرائها والقدرة الفذّة على التخيّل وصنع عوالم اليوتوبيا الخاصّة بك والإحساس بالخلق وتحديد مصائر الأبطال واستبطان ذاتهم وكشف خبايا نفوسهم وتفجير طاقاتهم وقدراتهم المهولة على الحب.
* ما أهم رأي قيل في تجربتك الروائيّة؟
- ربما هو رأي الكاتب الكبير الراحل جبرا إبراهيم جبرا الذي كتب بخط يده على مخطوطة روايتي “فاطمة الخضراء” ما نصّه: أن كتابات محمد حيّاوي تتسم بنوعٍ مخادعٍ من الخيال والكثير من دهشة الطّفولة، ناهيك عن لغته الغنّية وغير المتكلّفة التي تجعل من سردياته مرويّات حميمة.
* متى شعرت أنّك لا تريد الكتابة؟
- عندما ابتعدت عن العراق لأكثر من عشرين عامًا، فقدت إيماني في الأدب وقدرته على التغيير وقتها وكادت مخيلتي أن تجف، لولا عودتي في العام 2012 وتخصيبها بالصور الفادحة من جديد.
* متى يُداهمك الملل؟
- عندما ابتعد عن الكتابة وانشغل في تفصيلات الحياة اليوميّة
* ما الذي يتأرجحُ بداخلك؟
- قردٌ مجنونٌ وكهلٌ وقورٌ يتعلقان بحبال العفة والمجون والعقل والقلب والفضيلة والاستسلام للرغبات وينطبق عليهما قول هند بطلة روايتي “خان الشابندر” (حياة يأكل فيها عقلك روحك).
* هل يهمّك رأي قرّاء الفيس بوك في كتاباتك؟
- بالتأكيد، فأفضل ما كتب عن رواياتي من آراء صادقة وعفوية وبعيدة عن المنهجيات النقدية كتبه قرّاء صادقون على الفيسبوك وبلغات عدة منها الفارسية والفرنسية والهولندية والتركية، لكن طبعًا تبقى العربية على رأسها.